الحادثة الإرهابية التي استهدفت مواطنين أمنيين في منطقة الأحساء من قلة تدَّعي الإسلام قد أصاب الغيورين على أمن وطننا ومجتمعنا بالألم والفجيعة، فعزاؤنا لإخوتنا ممن فقدوا أقاربهم وأهلهم في تلك الحادثة الإجرامية، ولا ننسى من فُقدوا من رجال أمننا جراء العلميات الأمنية التي قامت بها الأجهزة في مناطق من بلادنا الحبيبة. باعتقادي أننا يجب أن نواجه الحقيقة ونعترف بأننا نعاني من مشكلة، وهي قضية التشدد والغلو الفكري لدى بعض مكونات مجتمعنا وادعاء بعض هذه الفئات أنها هي من تمثل الإسلام الحقيقي وأن غيرها قد ضل الطريق القويم، والمتابع لمشهدنا المحلي يلحظ درجة الغلو والإقصاء للآخر منذ نحو 30 عاماً، وقد تكون لحركات الإسلام السياسي أو ما يسمى «الصحوة» دور في هذا التأجيج، وهدفها -للأسف- ليس الدفاع عن الإسلام الوسطي، كما تدعي، ولكنها تستغل الإسلام؛ لتحقيق أهداف سياسية، وخطاباتها خدعت الكثيرين من أبناء وطننا الذين تأثروا بتلك الحقبة، وكلنا يتذكر مرحلة أفغانستان وما جرَّته علينا من ارتدادات إرهابية، وقد يكون للجانب السياسي أخطاؤه في ذلك الوقت، ولكن الجانب الديني الذي خلق مفهوم الجهاد المنفلت من تنظيم القاعدة وأخواته وغرر بالشباب السعودي في بؤر الصراع، من دون إذن ولي الأمر، والغريب أن موجة الإرهاب التي نفذتها «القاعدة» في بلادنا استهدفت بعض المنشآت الحكومية، إضافة إلى عمليات القتل لغير المسلمين والمعصومين في بلادنا وعلى رغم بشاعة تلك الجرائم وتصدِّي الدولة لذلك التنظيم من خلال الحلول الأمنية والفكرية إلا أننا لم نحس بالخطر الذي نمر به الآن على سلمنا الاجتماعي، كما هي الحال في حادثة الأحساء بسبب أن من قام به له أهداف تدميرية خطيرة يسعى من خلالها إلى ضرب وحدتنا الوطنية، وهذا باعتقادي يمثل خطورة الوضع الذي نعيشه الآن، لا شك أن أبناء وطننا ومن جميع مكوناته وعلى رأسهم النخب السياسية والدينية والثقافية قد عبَّروا بمشهد وطني عن تماسك المجتمع السعودي ورفضه لهذه الجريمة النكراء، وقد مثل حضور وزير الداخلية لموقع الجريمة وتقديمه العزاء لذوي الضحايا صورة معبرة عن رفض القيادة السياسية لتلك الجريمة ووقوفها بحزم ضد من قام بها، إضافة إلى ما صرح به المفتي العام للمملكة وشجبه لتلك العملية، وأيضاً البيان الصادر عن هيئة كبار العلماء أن المملكة لا يمكن أن تتهاون بمن يعرِّض سلمنا الاجتماعي لقلةٍ تحمل فكراً إجرامياً أقل ما يقال عنها أنها لا تمثل إلا نفسها. خادم الحرمين الشريفين كان سباقاً ومستشرفاً المخاطر الكبيرة للتطرف والغلو قبل هذه الحادثة، وكان مشروعه الإصلاحي في بعض مناحيه منصباً في التعاطي مع هذه القضايا، وكان على رأس هذا المشروع أمره -حفظه الله- بإنشاء مركز الحوار الوطني، الذي كان في بداياته يجمع في حوارات وطنية جميع أطياف المجتمع من سنة وشيعة وإسماعيلية، وكانت تلك الحوارات تنقل على شاشات التلفزيون المحلية مباشرة، ولكن بعد ذلك أصبحت القضايا التي يناقشها المركز بعيدة عن الهموم الوطنية الرئيسة وقد لا نكون منصفين في الوقت نفسه أن نطالب المركز الوطني بإيجاد حلول سريعة لقضايا التطرف والغلو، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود من الجهات الرسمية والأهلية للتعاطي معها. نعم، يوجد لدينا بعض الإخفاقات التي سمحت للأصوات المتشددة أن ترتفع، ولاسيما في مجال القنوات الفضائية التي تدعو إلى التطرف، ولم يكن هناك تصدِّ لها بالشكل الجاد، وقد تكون الظروف التي تمر بها الدول المجاورة لها ساعدت في نشر الفكر المتشدد بسبب اختلاط السياسي بالديني. وقد تكون الحاجة الآن ماسة وموضوعية إلى إصدار تشريعات وقوانين ضد كل من يدعو إلى الكراهية في أي صيغة، سواء أكانت دينية أم ثقافية أم سياسية، فعلينا الاستفادة من هذه التجربة المريرة بإيجاد حلول عملية تحمي جميع من يعيش على أرض هذا الوطن، وتكون المواطنة الحقة هي المحك الذي نحتكم إليه بغض النظر عن الديانة والمذهب والمنطقة واللون لأي إنسان.