حين غزا صدام حسين الكويت كان ما يسمى المشايخ الحركيين يؤلّبون ضد البلد ويبشرون بسقوطها، كان موقف الملك فهد حاسماً، إما أن تبقى الكويت أو ننتهي معها، وقتها لم تنطلق رصاصة واحدة تجاه السعودية، لكنها استشرفت مستقبلها، وأيقنت أن الخليج عنقود عنب لا يموت فرادى، وإنما ينتزع جملة كما هي حاله الآن، فلا نجاة لحبة واحدة إن غضّ بقية العنقود النظر. لولا موقف الملك الصلب لانتهت الكويت من دون ضرر على السعودية، لكن السلبية والجبن لم يكونا ثقافة الخليج وقتها حين كان كل رجالها على قلب واحد. هذه هي الحال الآن فأية طعنة تصيب عضواً خليجياً تسمّم الجسد كله، وإن توهم بعضهم أنهم بمنجى من ذلك، فلا يمكن أن يموت القلب ويبقى الطحال حياً. في كل الحروب لا يكون العسكر وحدهم الحسم ما لم يكن الإيقاع متناغماً، لذلك كانت زاوية «في عين العاصفة» لغازي القصيبي من أبرز علامات الشحن المعنوي والإيضاح المعرفي، الذي بقي حياً بعد كل هذه الأعوام، لأن كل الأصوات الأخرى (بعضها لا يزال فاعلاً اليوم)، كانت تراهن على النهاية الحتمية للدولة، فكان رهانها خاسراً بقسوة. باستثناء مجموعة نقية من المشايخ الصادقين، فإن الخطاب الديني الملتبس بالسياسة كان خصماً للبلد، سواء في الداخل أم الخارج، كما هي حال مصر اليوم، التي يتكالب ضدها المخربون والمفسدون من دول وجماعات، وقتها لم يكن ما يسمى سياسياً «العلماء» هم الحنجرة السعودية، بل الراية التي رفعها المثقف البارع غازي القصيبي في صحيفة «الشرق الأوسط» منافحاً عن البلد وكاشفاً خصومها، ومنهم علي عبدالله صالح الذي يعيد الآن سيرته الأولى. وقتها لم ينفع السعودية خطابها الديني، بل كان صوتها الصاخب الفاعل رجلاً استبعد من الوزارة، فلم يراهن على بـــلده ولم يرتض سواها خياراً، وهو الذي كانت أمامه كل فرص الشــماتة والانتــقام لو كانت وطـنيته قلقة وثقافته ارتزاقاً. حين اغتال صدام حسين الكويت صمت الإعلام السعودي في الأيام الأولى جهلاً وبيروقراطية، ولولا مبادرة غازي وشجاعة عثمان العمير بدعم من الملك، لظن الآخرون أن الشعب يتمنى سقوط الدولة وانهيارها، بينما هو لا يملك سوى يقين صامت لم يكن له منفذ سوى وسائل إعلام لا يحركها الوطن وتحدياته، بل سلطة متراخية ليست في مستوى الوطن وحاجاته. مضت الأيام ورحل غازي، وها هو البلد يواجه تحدياً جديداً يعيشه مشايخ «الصحوة» الذين استساغوه سابقاً ومعهم تلاميذهم الجدد، فهم لن يكونوا صوتاً للبلد لأنهم لم يكونوا كذلك يوماً، وبما أن غازي مات فالرهان بدر بن عبدالمحسن، الأمير الشاعر المواطن المنفتح، لينثر زاوية شعرية تعوّض غياب غازي النثري، وتنشر رسالة تؤكد قوة الوطن وتلاحمه. خلال الفترة الماضية كانت في البلد قنوات وحسابات تخون الوطن أكثر مما تسانده، فلا سيف حاسماً إن خرج من غمده يفوق بدر بن عبدالمحسن، ولا صوت يعلوه صدقية ليكون قائد الفريق المتصدي لخصوم الوطن. في لبنان فيروز هي الأصل، في مصر كانت أم كلثوم وعبدالحــليم حافظ هما الجذوة، فهل تعرف السعودية بوصلتها؟ في عام 90 ولم تكن الخطب سلاح نجاة ورسالة وحدة، ولن تكون اليوم، فمتى يظـــهر صوت بدر بن عبدالمحسن، وهو من أصل البيــت وصوت الشــارع وعشق المواطن والناطق باسمه؟