نطلب الرحمة للشهداء، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين، ونقدم خالص العزاء للأسر المنكوبة بفراق أبنائها في قرية الدالوة. إن المصاب الذي جاء في أجسادهم هو في قلوبنا، فالأحساء القطيف وسيهات، صفوى وغيرها من مناطق المملكة هي قطعة من قلب هذا الوطن، الفسفيسفاء هي التشكيلة الجميلة للشرقية. تراث الواحة الخضراء ضارب في القدم، قد بدأت تلك المدن الساحلية الجميلة تنفض الغبار عن ذاك التراث، وتطعمه بالحاضر عبر مهرجان الدوخلة الذي انتهى قبيل أيام معدودات، ويبذل مثقفو تلك الواحات الجهد الكبير للتلاحم والتقارب. عرفنا أهل المنطقة عن قرب شاركناهم أفراحهم وأتراحهم كما شاركونا الزاد واللبن، لم نشعر يوما بالفرق فكلنا مسلمون، هناك في الكويت والبحرين والعراق تمازج الدماء عبر التزاوج، حتى أتى زمن الأمريكان فغير الأوضاع العربية عامة. يلح السؤال: من أطلق النار على حسنية المصطفى؟ ذلك سؤال أجابته غارقة في السنوات الخمس والثلاثين الماضية، فالذين أطلقوا النار ليسوا مجموعة شباب، حملوا الموت ووزعوه ومن ثم هربوا. لم يذهبوا ليقربوا المذاهب ووجهات النظر، لم يوزعوا الماء على المحتفلين باستشهاد سيد شباب أهل الجنة، ولم يصححوا مفاهيم، ذهبوا ليكملوا الفجيعة، هكذا ضغطوا على الزناد فاستشهد سته وجرحوا تسعة عشر. الحقيقة الذي حمل السلاح والذي حرك سيارتهم والذي غذاهم هو فكر وثقافة عمرها أكثر من خمسة وثلاثين عاما، تجذرت تلك الأفكار وتوالدت وولّدت، واستشرت، فكان الفعل ورد الفعل وكان الصوت العالي ورد الصدى.. وأخذ يكبر الشق! إذ لابد من إعادة حياكة النسيج الوطني قبل أن يكون مجرد خرق تتمزق. فكل من أقام ندوة تندد بشركاء الوطن، وكل من ألف كتاباً يشتم مذهباً وكل من سب صحابياً، وكل من قال كلمة ضد الوطن والمواطنين شارك في تلك العملية، من ربّى مبدأ التكفير ورعاه، وكل شحن طائفي، هو من شجع وساهم في تلك العملية. ومن ملأ حوارات التواصل الاجتماعي حقداً أسودَ، هو مشارك بعملية القتل العمد والحرابة الواضحة. وكل من ضخ عبر ثلاثة قرون ونصف، ثقافة الكراهية والنبذ. الدين لله والله وحده يعلم بالنوايا، وهو الذي يحاسب عباده، وما المواطنون إلا شركاء في هذا الوطن بكل أطيافهم، لهم مالهم، وعليهم ما عليهم.. إنها ثقافة لابد من إعادة صياغتها، وصياغة مفاهيم المواطنة، فالكل سواء لا فرق بين مذهب ولا منطقة، الكل سواء أمام القانون، والكل مطالب بتقوية اللحمة الوطنية، والحفاظ عليها انطلاقاً من مبادئ نظام الحكم، والذي ينص صراحة على الوحدة الوطنية ورعايتها مادة 12 /تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل مايؤدي للفرقة والفتنة والانقسام. إن هناك قيحاً يأكل في مجتمعنا ولا بد من تنظيفه، ليشفى الجسد الوطن وبدل الفرقة تعزيز التلاحم والإنتاج والعمل على رفع دولتنا لمصاف الدول الكبرى، وذلك لا يتم إلا بالمساواة والعدل وحقوق المواطنة الكاملة. وهذا ما أعلنه عملياً وزير الداخلية وهو يزور ويعزي أهالي الشهداء ويجبر خاطرهم، وهو ما أعلنته دماء شهداء الواجب وهم يدفعون العمر فداء للحمة الوطنية. إنه بيتنا الكبير فلا ندع أحداً يعبث به ويهز أساسه، وعلينا تقبل بعضنا كما نحن، نعمل لنرضي ربنا، ونحافظ على مكتسبات وطننا ونزيدها مكاسب. فلا تفرقة ضد مذهب أو مدن أو جنس.. وذاك لا يأتي مواضيع إنشاء ولكن بتغير قناعات وثقافات. وتلك طريقها يبدأ بخطوات ثابتة ومستمرة.