احتفلت بريطانيا في الخامس من أغسطس (آب) الماضي بمرور مائة عام على اليوم الأول لمشاركة البلاد بالحرب العالمية الأولى، وبهذه المناسبة قام الفنان البريطاني بول كامينز بتجسيد دماء الشهداء الذين سقطوا في الحرب، التي أدت إلى تشريد الناس وقتلها، من خلال تصميم زهرة الخشخاش الحمراء ويطلق عليها اسم «Poppies» التي تعبر عن هذه المناسبة، من خلال غرز 888.246 زهرة من البورسلين في حديقة برج لندن التاريخي الذي يشكل واحدا من أهم المعالم السياحية في لندن وتحفظ فيه المجوهرات الملكية. وما أن ظهر التصميم الرائع المنبعث من أحد جدران البرج بطريقة تجعلك تظن أن الزهور تنبع من فجوة وتنساب في طريقها إلى الحديقة لتشكل بحرا من الزهور التي تبدو كأنها بحر من الدماء، حتى تجمهر الزوار أمام المبنى الأثري في طوابير عملاقة جاءوا من بريطانيا وكافة أرجاء المعمورة فقط لرؤية هذا الإبداع الفني والتقاط الصور. وأطلق الفنان كامينز على عمله اسم: البحار الحمراء والأرض التي اجتاحتها الدماء، وكان من شأن هذا الإبداع الفني أن يعزز وضع برج لندن على خريطة العاصمة السياحية حيث سجل أعلى مستويات من حيث زيارة السياح له حيث تعدى عدد السياح منذ أغسطس ولغاية اليوم الـ4 ملايين زائر، وباءت بالفشل جميع محاولات كافة الأحزاب البريطانية السياسية وإمضاءات الآلاف على الإنترنت عريضة لإبقاء أو تمديد فترة العمل الفني بعد أن أصدر المسؤولون عن برج لندن قرارا بإزالة الزهور في موعدها المقرر في الـ12 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل اليوم الذي تحتفل به بريطانيا بذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى. وما أن عرضت الزهور للبيع بمبلغ 25 جنيها إسترلينيا (نحو 40 دولارا) للزهرة الواحدة حتى نفدت بالكامل قبل موعد إزالتها، وحاليا لا يمكن الحصول على أي منها إلا عن طريق المزادات على موقع «إي بي» حيث تعدى سعر الزهرة الـ65 جنيها إسترلينيا (نحو 100 دولار). وبعد مطالبة الكثير من الناس بتمديد فترة العرض، لب المسؤولون هذا المطلب عن طريق تمديد الفترة التي ستضاء بها الزهور، فأضيئت الزهور من الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر أمس ولغاية فجر اليوم، على أن تضاء مجددا من الغسق ولغاية منتصف الليل. تم غرز أول زهرة في حديقة برج لندن في يوليو (تموز) الماضي ولحقها غرز الزهور الباقية تباعا، وستغرز آخر زهرة في الـ11 من نوفمبر، ليصبح بذلك عدد الزهور الإجمالي 888246 تجسد كل منها شهيدا بريطانيا وقع خلال الحرب. أجمل منظر لبحر الزهور الحمراء يمكن أن تشاهده من فوق، فإذا كنت تنوي زيارة لندن قبل موعد نزع الزهور ننصحك بالتقاط الصور من الطائرة، لأن المشهد رائع ولا يمكن أن يتكرر، وفي حال لم يكن لديك مخطط للمجيء إلى لندن في الفترة القصيرة المقبلة ننصحك بالتوجه إلى مبنى الشارد أعلى مبنى في أوروبا لرؤية روعة العمل الفني من علو شاهق. وساهم في تحقيق هذا العمل الفني إلى جانب كامينز المصمم المسرحي توم بايبر، الذي أراد من هذا العمل خلق شعور بالانسيابية لتجعل المشهد كأنه نهر من الدماء أو الماء وقوة الحياة. ويأمل الفيلق الملكي البريطاني بأن يحقق بيع الزهور مبلغ 15 مليون جنيه إسترليني تتقاسمه مجموعة من الجمعيات الخيرية، ووعد وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن بعدم وضع أي رسوم ضريبية على المبيعات. يشار إلى أن أكثر من 8 آلاف متطوع ساهم في غرز الزهور على مر الأسابيع الماضية، وتطوع عدد مماثل للقيام بعملية نزع الزهور الأسبوع المقبل. يتراوح طول الزهور ما بين 15 سنتيمترا ومتر، للحصول على تصميم متموج يساعد على تحقيق رؤية الفنان. وزار برج لندن عدد من الشخصيات البريطانية الرفيعة على رأسها الملكة إليزابيث الثانية وابن ولي العهد البريطاني الأمير ويليام وزوجته دوقة كمبردج كايت ميدلتون والأمير هاري. وعلق الفنان بول كامينز بالقول إنه قام بالعمل ولم يفكر أبدا بأنه سيبقى إلى الأبد، فهو عمل «عابر» كما وصفه الفنان، لأنه مثلنا تماما، فالإنسان يأتي إلى الأرض ويذهب، وأضاف: كان من الجميل إبقاء الزهور في حديقة برج لندن ولكنها اليوم لم تعد ملكي، إنما أصبحت ملكا للعالم.