حُب الوطن عنوان كبير لعلاقة قوية تربط أبناءه تحت راية واحدة، وهذا ما دأبت عليه المملكة منذ توحيدها عام 1351ه على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وحدة جمعت القلوب والأفئدة قبل أن توحد الأرض، وجعلت من مجتمع المملكة عصرياً، وقادت إلى التنمية الشاملة التي استمرت حتى عهدنا الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، حيث خلق فرص المشاركة عبر العديد من المبادرات لتحقيقها على يد سواعد أبنائه المخلصين. وكان الإنسان في الجزيرة العربية قديماً قد عاش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، إضافةً إلى ضعف الوازع الديني بسبب انتشار البدع والخرافات، حيث وصف المؤرخون الحالة السياسية والاجتماعية في منطقة الجزيرة العربية في تلك الفترة بالتفكك وانعدام الأمن وكثرة الإمارات المتناثرة والمتناحرة، ومع دخول الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الرياض عام 1319ه بدأت الجزيرة العربية تخوض نقطة تحول جديدة، وتمكنت في التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعد أن أعلن -رحمه الله- توحيد المملكة عام 1351ه، ومن هنا جاءت البداية الحقيقية للمواطن، والانطلاق إلى المشاركة في التنمية وإبراز القدرات. بارقة أمل وسعى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بداية في توطين البادية واكتشاف النفط، وكانت هذه من العوامل الرئيسة التي أعادت صياغة المجتمع، وإحداث العديد من التغيرات الاجتماعية التي كانت تقصدها الدولة، وأكمل المسيرة من بعده الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد -رحمهم الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- على تكوين الدولة وبنائها والاعتماد على الكوادر البشرية في تنمية الوطن من خلال التدريب والتعليم والابتعاث والإفادة من الخبرات العالمية. وكانت "أرامكو السعودية" إنموذجاً لذلك في بدايات التأسيس، حيث انطلقت مراحل التنمية عبر أول بارقة أمل عند دعوة الشركات العالمية للاستثمار في الثروات البترولية والمعدنية بالمملكة عام 1923م، ولم تظهر نتائج إيجابية في البداية، إلاّ أن إصرار الملك عبدالعزيز حتّم أن يكون هناك أمل، فمنح امتياز التنقيب لشركة أمريكية عام 1933م، وبعد عدة أشهر انطلقت الأرض تخرج كنوزها مبشرة المواطن بالخير والنماء، حيث تم تصدير أول شحنة بترول سعودي عام 1938م, هذه الاكتشافات ساندت دعائم وتوجهات الدولة لتحقيق التنمية المترامية في شتى أنحاء البلاد، فكان النفط مورداً أساسياً لتنفيذ خطط التنمية وغيرت كافة مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع خلال (84) عاماً. نهضة شاملة بعد أن كان أغلب المواطنين يعملون على الصناعات الحرفية والزراعة وصيد الأسماك، إضافةً إلى ندرة التعليم، بخلاف التشتت والتنافر، إلاّ أن هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تغيرت نحو العالمية مع تمسكها بالمبادئ والقيم والعادات، فشيدت الحكومة خلال العقود الماضية السروح التعليمية والطرقات والمصانع، بل ووضعت الخطط الخمسية لتحقيق تنمية مستدامة، حتى أصبحت ضمن الدول العشرين اقتصادياً بتملكها احتياطات نفطية ضخمة، وبدأت الحياة الاقتصادية والاجتماعية تتغير خلال الأعوام الماضية، بعد أن انطلقت بها عجلة التنمية والتطوير، التي كانت في البداية، تسير بشكل بطيء، نظراً لعدم توفر الموارد الاقتصادية بشكل كاف، إلاّ أن وتيرة الحركة تسارعت بعد اكتشاف الثروات المعدنية في هذه البلاد بكميات تجارية، حيث كان للمردود المادي أثر كبير في انتعاش الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي ساهم في إكمال البنية التحتية للاقتصاد، وإكمال الهيئات والوزارات التي بدأت تقدم الخدمات لأبناء الوطن وفي كل المناطق، ثم حدثت الطفرة الكبرى في السبعينات الميلادية والتي أعقبتها نهضة شاملة في كافة الميادين. رؤية اقتصادية وعلى الرغم من دعم الحكومة لكافة البرامج التنموية والتطويرية للارتقاء باقتصاد الوطن وتنمية المواطن عبر رؤية اقتصادية وتعليمية، إضافةً إلى دعمها للمؤسسات والشركات في القطاع الخاص لكي تساهم في بناء الوطن وتدريب الشباب،, إلاّ أن ثمرة الجهود لازالت تبذل من الدولة، يقابلها ضعف من قبل رجال الأعمال، مما يُعلّل بعضهم أن مخرجات التعليم لا تتواكب مع سوق العمل، حتى أصبحت العمالة الأجنبية التي يقدر عددها تسعة ملايين تسيطر على سوق العمل المحلي، حيث اعتمدت الشركات المحلية على العمالة الأجنبية التي تتميز بقلة الرواتب وندرة خبراتها وتجاهلت الشباب لتحقيق أعلى معدلات ربحية بعيداً عن الوطنية، وهذه النظرة قد تكون قاصرة, لكنها متواجدة بسبب قصور التعاون ما بين قطاع المال والأعمال والجهات الحكومية، على الرغم من دعم حكومة خادم الحرمين هذا القطاع بالمشروعات سنوياً، ليكون شريكاً في التنمية، والأهم تنمية المواطن وخلق فرص عمل. هوية وطنية وعلى الرغم من تنوع مجتمع المملكة ثقافياً بسبب التنوع الجغرافي بين مناطق المملكة، إلاّ أنه لازال محافظاً على هويته الوطنية وعلى هذا التنوع الثقافي المميز, مما أتاح الفرصة أمام الجهات المختصة لتدعيم وسائل السياحية المحلية التي تزخر بتنوع ثقافي فريد من نوعه، ومع الطفرات التي تلاحقت على المملكة حافظ المجتمع على ثقافته بالرغم من تغيرات الحياة الاجتماعية جذرياً ما بين توحيد المملكة والوقت الراهن، ولاشك أن الحراك الثقافي ولد ثقافة دفع أفراد المجتمع إلى سلوكيات مؤثرة في الولاء والانتماء، التي كان لها دور مميز في تدعيم الخطط التنموية، من هذا الحراك الثقافي الذي حدث خلال عقود مضت منع الفتيات من الإلتحاق بالدراسة، إلاّ أن جهود الدولة في إرساء البنى التحتية لهذا المجال مع تحفظها على العادات والتقاليد كانت النتيجة أن أصبحت المرأة مثقفة ومربية ولها إسهامات يشار لها بالبنان في التنمية الوطنية، وثقافة المجتمع المحلي كانت دافعاً للكثير من الجهود التنموية التي تحققت. وعي المواطن وبسبب اللحمة الوطنية القوية بين أفراد الشعب والقيادة الحكيمة، جاء الربيع العربي الذي عم العديد من الدول العربية بسبب تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية, دليلاً واضحاً وصريحاً لمكانة القيادة والوطن عند المواطن، وكانت المملكة بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة محافظة على كيانها بدعم واعي من مجتمع مثقف محباً لوطنه, فأدرك المواطن سمو عبارة "وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه"، رغم السؤال المطروح في الكثير من القنوات الفضائية والصحف العالمية: "لماذا الربيع العربي لم يصل المملكة؟"، حتى مع محاولاتهم لإيصال فكرة غير صحيحة للعالم عن المملكة، ومع ذلك لم تنجح كل الخطط والتدابير الخارجية، حيث المواطن واعي وراقي في التعامل مع هذه الأحداث، ويكنّ الولاء والمحبة للقيادة ويعي ما تبذله الدولة للإرتقاء به وبموطنه. حافلة بالإنجازات وقال"د. فهد المهنا" -أكاديمي-: إن اليوم الوطني ذكرى سنوية نتذكر من خلالها الماضي الذي كانت تعيشه البلاد من فرقة ومشاكل اجتماعية واقتصادية، حتى جاء التوحيد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- واستمر من بعده أبناؤه حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، كل المراحل التي مرت بها المملكة كانت حافلة بالإنجازات، مضيفاً أنه رغم التحديات إلاّ أن تكاتف المواطن مع القيادة خلق فرصة للتميز عن باقي الدول، مبيناً أن المملكة في الوقت الراهن يشار إليها بالبنان بعد أن كانت مجزأة بالأمس، وأصبح لها مكان دائم بين الدول العشرين الأكثر تقدماً في العالم، وهذا ما يدعو للفخر والاعتزاز، وما كان ليحدث لولا السياسات الحكيمة التي يتخذها قادة هذه البلاد الكريمة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وأشار إلى أن ثقافة المجتمع لم تكن يوماً عائقة لمراحل التنمية، مشيراً إلى أنها كانت حافزاً للتطور والتنمية، وخير دليل على التنمية التي تحققت في (83) عاماً, تنمية متكاملة في شتى المجالات، مؤكداً على أنه مهما كان هناك من قصور، إلاّ أنها لم تحدث في العالم أجمع. إصرار وعزيمة وتحدث "د. عبدالواحد المزروع" -عميد كلية التربية بجامعة الدمام- قائلاً: إن المسيرة المظفرة منذ توحيد البلاد، وبتوفيق الله تعالى؛ ثم بإصرار وعزيمة قيادتنا الرشيدة تمكنت المملكة من أن تتبوأ لها مركزاً قيادياً بين دول العالم وعلى كافة المستويات الإقليمية والعربية والعالمية، انطلاقاً من كون المملكة مؤهلة لهذا الدور، مبيناً أن الشريعة الإسلامية هي أساس الحكم، أضف إلى هذا أن الخط التاريخي الذي تنتهجه المملكة في سياستها المتوازنة هي الوضوح والصراحة في كافة علاقاتها مع دول العالم، وعلى الجانب الآخر وفي الشأن الداخلي فإن الشواهد تبرهن على أن الانطلاقة الحضارية التي تعيشها المملكة أعطت الكثير من أولوياتها لضمان الحياة الكريمة والرعاية الصحية والاجتماعية للمواطنين، بل ووفرت فرص التعليم العام والجامعي الداخلي والابتعاث الخارجي، فتميزت نهضتنا المباركة -ولله الحمد- بمبادرات خيرة ذات انعكاسات ايجابية على الوطن والمواطن. وأضاف: ركزت خطط التنمية على تنمية الإنسان كهدف، ويأتي هذا منسجماً مع مسيرة التواصل التنموي، وإحداث تغيير في البنية الاقتصادية، وكذلك تنمية مقومات الاقتصاد الأساسية، وتنويع مصادر الدخل، مؤكداً على أن نتيجة ذلك كان التوجه نحو إعطاء المزيد من الدعم والرعاية لقطاعات التعليم المختلفة، فارتفع عدد الجامعات من سبع جامعات إلى أربع وعشرين جامعة.