×
محافظة المنطقة الشرقية

الفتح يختتم معسكر المانيا

صورة الخبر

قبل الدخول في موضوع المقال، أجدني اليوم مضطراً للتوقف عند إشكالية مصطلحيْ (القانون) و(النظام) إذ بقينا طيلة السنوات الماضية في المملكة، نعيش حالة حظر شبه رسمي لاستخدام مصطلح (القانون) ونختار بدلاً عنه مصطلح (النظام) وذلك لأسباب أقرب ما تكون أوهاماً، حيث كان التصور السائد في السابق، أن القانون لا يُفهم منه إلا المعارضة للشريعة، أو الحكم بغير ما أنزل الله، بينما الثابت أن هذا التصور ليس إلا فهماً خاطئاً، وجهلاً كبيراً بحقيقة ومفهوم مصطلح (القانون) وأن هذا المصطلح كان مستعملاً في التراث الفقهي الإسلامي عند الفقهاء السابقين، الذين أثبتت إبداعاتهم العلمية، وآراؤهم الفقهية، أنهم أوسع أفقاً بكثير من كثير من الفقهاء المعاصرين. بسبب التوهم بعدم شرعية مصطلح (القانون) اضطررنا طيلة السنوات الماضية، إلى استبعاد استعمال هذا اللفظ، وصرنا نستبدله بلفظ (النظام) الذي ليس مرادفاً صحيحاً للفظ القانون، بل لكل منهما معنى مستقل به عند جميع الدول وبسبب التوهم بعدم شرعية مصطلح (القانون) اضطررنا طيلة السنوات الماضية، إلى استبعاد استعمال هذا اللفظ، وصرنا نستبدله بلفظ (النظام) الذي ليس مرادفاً صحيحاً للفظ القانون، بل لكل منهما معنى مستقل به عند جميع الدول. وفي مثل هذه الأيام، حين تفجرت بعض الثورات ضد أنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، أصبحنا نسمع الهتافات تنادي بسقوط (النظام) وهو ما يجعلنا اليوم في حاجة إلى إعادة النظر في استعمالنا لمصطلح النظام بديلاً للقانون. وبناء عليه فإن المقصود بعنوان مقالي اليوم كان المفترض به (لماذا يكرهون القانون؟) وليس كما كتبته (النظام) لكنني أردت التماشي مع الاستعمال الموجود لدينا، لعلمي أن نسبة كبيرة من القراء، سيفهمون من عنوان المقال، أنني أتحدث عن الثورات العربية لا عن موضوع قانوني محلي لدينا. وهو ما سيدعم مطالبتي بسرعة إلغاء استعمال لفظ (النظام) وإحلال اللفظ الصحيح (القانون) محله. أعود إلى موضوع المقال، وهو أن هناك ظاهرة مزعجة، وأعتقد أن مساحة انتشارها كبيرة ومقلقة، وهي أن كثيراً من المسؤولين في الإدارات الحكومية، على اختلاف وتدرج مراكزهم ومراتبهم، يلاحظ عليهم في كثير من الأحيان الضجر والتبرم من النصوص القانونية التي تحكم إجراءات الإدارة التي يعملون فيها، ولا يطبّقون هذه النصوص القانونية إلا على مضض، ويشعرون كأنها بمثابة القيود التي تقيد حريتهم، وتحول بينهم وبين التصرف كما يشاؤون. ومتى ما وجد أحدهم فرصة للتخلص من الالتزام بتطبيق هذا النص القانوني، تجاهله وأهمله دون تردد. فلماذا يوجد مثل هذا الكره والامتعاض من القوانين؟ موضوع طالما استوقفني ولفت انتباهي، وتأملت فيه طويلاً، في محاولة لمعرفة أسبابه، وهل هذه الأسباب عادية طبيعية أم أنها غير عادية، وعن وسائل معالجة مثل هذه المشكلة، وتحويل كل المسؤولين من كراهية القانون، وتطبيقه دون قناعة أو على مضض، أو محاولة التخلص منه والالتفاف عليه، إلى القناعة التامة به، والوعي بأهميته ومدى الحاجة إليه . ومن المهم القول : إن هذه الظاهرة ليس لها سبب واحد، بل عدة أسباب، وأنها قد لا ترتبط بالضرورة بفساد المسؤول أو كراهيته للقانون لأسباب تتعلق بمصالحه الشخصية، بل أحياناً تكون كراهية المسؤول للقانون وتطبيقه، قد تكون بسبب زيادة حرص ذلك المسؤول على ما فعْل ما يعتقده هو الصواب والمحقق للمصلحة العامة. ورغم أن المساحة المتاحة لمقال صحفي، لا تفي بمناقشة واستيعاب مثل هذا الموضوع المهم، واستيفاء كافة جوانبه، من أسباب وحلول، ومقترحات، إلا أن من المفيد إثارة وطرح هذا الموضوع للنقاش، والتنويه عليه، لعل ذلك يكون مساعداً على استقصاء دراسته ومناقشته من الجهات المتخصصة. ولعل من أبرز أسباب كراهية بعض المسؤولين للقانون ما يلي : أولاً : أن التقيد بأحكام القانون في كثير من الأحيان يتعارض مع المصالح والأهواء والرغبات الشخصية لبعض المسؤولين، فلا يمنحهم الفرصة الكافية لتحقيق ما يخدم مصالحهم، أو إنفاذ رغباتهم الشخصية، سواء أكانت هذه المصالحة متمثلة في الحصول على مكاسب مادية، أم في اكتساب أو المحافظة على علاقات متميزة مع بعض من يهمهم وجود مثل هذه العلاقة معه، من وجهاء ومتنفذين. ثانياً : يحول القانون في كثير من الأحيان دون تمكين المسؤول من الاستبداد بالقرار، والعمل وفق قناعاته الشخصية، ويلزمه باتخاذ قرارات قد لا يراها ذات جدوى أو ملائمة، حتى لو كانت آراء وقناعات ذلك المسؤول يشوبها الكثير من قصور النظر، وضيق الأفق، أو كانت تتسم بما يغلب على شخصيته من تشدد أو تساهل مفرط. ثالثاً : في بعض الأحيان يواجه المسؤول وهو يطبق النظام بعض الوقائع التي يرى أنها لا تتفق مع العدالة أو المصلحة، وأن النص القانوني فيها فيه جمود أو يترتب عليه مفاسد أكثر مما يقصد تحقيقه من مصالح، فيحاول المسؤول إيجاد المخارج والتأويلات لتحاشي تطبيق نص قانوني إلى نص آخر، أو حتى إهمال تطبيق النص بالكامل. وهذه الحالة قد تكون من أحسن الأحوال دلالة على صلاح المسؤول وجدارته، إلا أنها وبكل أسف تبقى داخلة ضمن دائرة مخالفة القانون، ومتى ما تم تسليط الضوء عليها، فإن ذلك المسؤول لا ينجيه من المحاسبة والعقوبة، سلامة نيته ووجاهة رأيه، ويبقى الإشكال مرتبطاً بذلك النص القانوني الذي ما زال قائماً على حاله. وهذا يقودنا إلى التأكيد على أهمية صياغة نصوص القوانين، وضرورة الفهم التام للواقع عند من يشاركون في صياغتها. هذه إطلالة سريعة على موضوع بالغ الأهمية، آمل أن أكون فيها حركت شيئاً من المياه الراكدة، تحريكاً يستهدف الإصلاح والتصحيح. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه. *القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً