×
محافظة المنطقة الشرقية

بدء استقبال طلبات التقديم على السيارات المجهزة للمعاقين بالجوف

صورة الخبر

فشل الإخوان في الاستمرار في حكم مصر طويلا، إذ سرعان ما انقلب عليهم المصريون وساندهم الجيش الذي وجد فيهم تهديدا للدولة والسلطة المصرية، وأصبحوا بعدها مطاردين ومهددين «بالعمالة والإرهاب» وسرعان ما اكتشف التونسيون أنهم الآخرون غير قادرين على تحمل أن يتفرد الإخوان في حكمهم، فخرج الإخوان منها طوعا لصالح الترويكا. ويبدو أن حزب النهضة الممثل السياسي للإخوان في تونس قد التقط الرسالة وانسحب من الحكم؛ خوفا من أن يجري عليهم ما جرى على الإخوان المصريين، فإما أن ينسحبوا أو أن يسحبوا من السياسة. ولذلك هم لم يفقدوا كما الإخوان المصريون: حضورهم السياسي وخطوط اتصالهم بالمجتمع وجماعاته، وهو ما جعلهم في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس الذي قال عنه البعض إنه حزب «الفلول». وأعتقد أن النصر الذي حققه حزب نداء تونس قد يعود في بعضه لشخص القائد السبسي أكثر منه لأي شخص آخر، فهو الشخصية التي ارتبطت تاريخيا بالرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة أكثر منه كما قيل حول ارتباطه بنظام الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي. كما أنه ارتبط بالدور الانتقالي الذي لعبه القائد السبسي في المحافظة على الدولة والعبور بها للانتخابات. فإخفاقات النهضة ودخولها في صراعات مع بعض التجمعات اليسارية التونسية ولربما ما قيل حول ارتباطاتها بالجماعات السلفية التونسية، قد دفع نحو هذا العزوف في التصويت لهم مقارنة بالسابق. ويبدو أن حزب نداء تونس كتنظيم وكأفراد قد استوعبوا المرحلة الجديدة التي دخل فيها المجتمع التونسي، بل باتوا مستوعبين لطبيعة المرحلة والقوى المؤثرة فيها والإخفاقات التي واجهت الربيع العربي في البلاد العربية الأخرى. وبفوزهم فإنهم بذلك يمهدون لمرحلة جديدة يلجها المجتمع التونسي. وهي مرحلة لا تعني القطع المطلق مع المرحلة السابقة، إلا أنهم وفي ذات الوقت قد باتوا مدركين بأنها مرحلة لا تستمر إلا باستمرار تعدديتها السياسية التي تحدد فيها صناديق الاقتراع مفتاح الدخول للسلطة. إلا أنها عملية انتخابية ستبقى متأثرة بالكثير من أنماط العمل السياسي التقليدي السائد في المرحلة السابقة. أي أننا يجب ألا نتوقع أن تجرى انتخابات في المنطقة العربية دون أن يؤثر في حركتها التصويتية المال السياسي والنزعات القبلية والمناطقية والطائفية والإثنية وهي معطيات بات هوى الناس مأخوذا بها ومنفعلا معها. ورغم أن الانتخابات التونسية الأخيرة قد اعتبرت انتخابات نزيهة انتقلت فيها السلطة بفعل صناديق الاقتراع من فصيل/ فصائل سياسية لأخرى، وهي حالة لم نخبر مثلها إلا قليلا في المنطقة العربية، فإن التحدي باعتقادي يبقى ليس في من يصل للسلطة، وإنما في قدرة المجتمع التونسي ذي الإرث البوليسي على تمثل القيم الديمقراطية الجديدة، وأن تبقى السلطة التنفيذية حيادية في تعاملها مع الآلة والكتل التصويتية بحيث إنها لا تميل نتائجها إلى حيث هي تشتهي أو تميل. وأعتقد أن تونس بانتخاباتها الأخيرة ستدخل في أحد المسارين التاليين اللذين دخلت فيهما الكثير من دول العالم الثالث المتحولة ديمقراطيا. فهي إما أن تتبع المسار الذي دخلت فيه بعض الديمقراطيات الحديثة في أميركا اللاتينية وشرق آسيا والتي بدت أنها أقرب لحالات الديمقراطيات التي تتداول فيها السلطة ضمن نخب سياسية تقليدية أو صاعدة. أو أنها تدخل مسارات جمهوريات أوروبا الشرقية المتحولة ديمقراطيا، وهي ديمقراطيات رغم سلامة الإجراءات الانتخابية فيها فإن انتخاباتها ما زالت محددة سلفا نتائجها؛ لذلك بقيت محتكرة من قبل فلول العهد الاشتراكي السابق المتحولة رأسماليا والآخذة ببعض الإجراءات الديمقراطية وهو طريق بات مطلوبا بالنسبة لبعض الدول في المنطقة العربية تفاديا لوقوعها في حالة الفوضى والحروب الأهلية الدائرة الآن في اليمن والعراق وسوريا وليبيا. وأعتقد أن فشل القوى التي قفزت في إدارة المرحلة الجديدة الناتجة بعيد سقوط نظام زين العابدين بن علي وتحديدا النهضة. كما هو إخفاقاتهم في إدارة المشروع الاقتصادي والاجتماعي للدولة الجديدة، قد خلقت مزاجا جديدا بات «يحن» ويتوق لحالة الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي الذي كان سائدا في ظل الدولة الأمنية السابقة. ولا أعتقد أننا في المنطقة العربية قد نتجاوز كثيرا النموذج الأوروبي الشرقي في ديمقراطياتنا، ويفترض ألا نتوقع شيئا بعيدا عما يسمى بالديمقراطيات «المحكمة». إن تجربة مصر في وصول الإخوان للسلطة عبر صناديق الاقتراع وطبيعة الفكر الشمولي الذي جاء معهم قد عرقل من إمكانية إحداث التحول نحو نظام ديمقراطي. فنزوع الإخوان نحو احتكار السلطة وأخونتها وتحالفاتهم مع الجماعات السلفية التي أثارت قلقا ومخاوف قطاعات مؤثرة في المجتمع المصري، دفعهم ليس فقط لإبعادهم عن السلطة وإنما كذلك محاولة استئصالهم، وهو الأمر الذي تنبهت له حركة النهضة فتخلت حينها طوعا عن السلطة فحافظت على بعض قوتها. وقد نلحظ أنه رغم الفارق الكبير بين إخوان مصر وإخوان تونس فإنهما اشتركا في خاصية رغبتهما الجموحة في «أسلمة الدولة» وبالتالي «تطهيرها» من كل أشكال النشاط الاقتصادي والاجتماعي الذي يوصف بأنه ليبرالي وعلماني، كما جرت محاولة تطهير جهاز الدولة من رموز الحكم السابق، وهو الأمر الذي أسقط إخوان مصر وتداركته حركة النهضة بعد حين. إن الفشل أو التلكؤ الذي أصاب ثورات المنطقة العربية وانحرافاتها أو حرفها نحو حروب أهلية وأخرى طائفية وأخرى قبلية ومناطقية يثير باعتقادي قضيتين أساسيتين؛ أولاهما أن المنطقة العربية في عمومها بحاجة إلى إحداث تحولات مهمة في الدولة وطريقة إدارتها للمجتمع بحيث إن هذا التحول يدفع نحو تحقيق قدر مهم من النهوض الاقتصادي والإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية. وثانيتهما: أن عمليات التحديث هذه من المهم قيادتها بنخب أو أجزاء نخب لا بد أن تأتي من داخل النظام، ترى في مسألة الإصلاح حاجة قبل أن تكون ضرورة، وتدرك أن المرحلة التي بتنا فيها أو تلك التي نمر بها لم تعد قادرة على استيعاب ما هو سائد من أنماط في إدارة الدولة في المنطقة العربية. وهي حالة لن تتحقق دون إحداث إصلاحات سياسية حقيقية وتحقيق قدر من التداول والتدوير في مراكز الدولة وقياداتها. وقد قاد عجز النخب السياسية العربية على خلق مثل هذه النخب الفرعية في أوساطها إلى عدم قدرة السياقات السياسية على تجديد نفسها، وبالتالي الوقوع في الكوارث التي باتت تعصف بالدولة العربية. إن الذي أمن استقرار الدول المتحولة ديمقراطيا في الكثير من أقاليم العالم الثالث، أن عمليات التحول هذه قادتها نخب من داخل السياقات السياسية الرسمية أو من أطرافها.