توقّف قلب الشاعر والإعلامي اللبناني جورج جرداق أمس، لكن «زمانه» الذي دعاه إلى التوقف في قصيدته «هذه ليلتي» التي غنّتها أم كلثوم في عام 1968 ولحّنها محمد عبدالوهاب، لن يتوقف. وزمان جرداق الذي نال أخيراً «جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الــشعري التكريمية 2014»، باقٍ ليس من خلال شعره ومؤلفاته فقط، بل من خلال الصوت. سواء صوته الهادر الذي حفظه الناس من خلال برنامجه «على طريقتي» عبر أثير «صوت لبنان»، أو من خلال مَن غنى قصائده وعلى رأسهم أم كلثوم وماجدة الرومي. ابن جديدة مرجعيون (جنوب لبنان) الذي كتب «سوف تلهو بنا الحياة وتسخر فتعال أحبك الآن أكثر»، كانت حياته (83 سنة) مليئة بالحب والشوق اللذين دفعاه إلى كتابة قصائد عشق مفعمة بالمشاعر والرقة. ولد جرداق في عام 1931 في جديدة مرجعيون (جنوب لبنان)، وتأثر بأخيه فؤاد المثقف، كما كان يقول دائماً. كان يهرب من المدرسة، بحثاً عن عين ماء من عيون السهل الشرقي تلك التي سمي المرج باسمها «مرج عيون». فينتقي صخرة تحت شجرة تظلله، ليحفظ شعر المتنبي، وفقه اللغة العربية في «مجمع البحرين» لناصيف اليازجي. وعندما اشتكت المدرسة من فراره الدائم، حاول ذووه معاقبته، فتدخل شقيقه فؤاد معللاً: «إن ما يفعله جورج يفيده أكثر من المدرسة». وتشجيعاً له أهداه «نهج البلاغة» للإمام علي بن أبي طالب، قائلاً: «اقرأه واحفظه». بعد انتهاء دراسته التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون، انتقل جورج جرداق إلى بيروت، ليلتحق بـ «الكلية البطريركية» عام 1949. منذ ذلك الحين، سكن بيروت وسكنته، من دون أن ينفي ذلك حنينه إلى الجذور وتواصله مع الأهل والأصدقاء في «الجديدة». يرد خصوبة فكره وذاكرته إلى اختياره الكلية البطريركية الذائعة الصيت في تخريج أقدر الطلاب في اللغة العربية وآدابها. «كانت مهمة جداً بحاضرها وقديــمها، فالشــيخ إبراهيم اليازجي أكبر علماء العربية على الإطلاق، كان أحد أســاتذتها في القرن التاسع عشر، ومن تلامذته خليل مطران شاعر القطرين. درست على يد الأديب المعروف رئيف خوري، وعلامة عصره فؤاد أفرام البستاني مؤسس الجامعة اللبنانية، وكان أستاذ اللغة والأدب الفرنسي الشاعر ميشال فريد غريب»، كما قال. في هذه الأجواء، كان من البدهي أن يؤلف جرداق كتاباً في سن مبكرة. في الثامنة عشرة من عمره، كتب باكورته «فاغنر والمرأة» عن الموسيقي والفيلسوف الألماني ريتشارد فاغنر. نظراً إلى أهمية الكتاب، قرر طه حسين إدراجه ضمن لائحة الكتب التي يجب على طلاب الدكتوراه في الأدب قراءتها. في عام 1953 بعد تخرجه في الكلية البطريركية، انتقل جرداق إلى التأليف والكتابة في الصحف اللبنانية والعربية من جهة، وتدريس الأدب العربي والفلسفة العربية في عدد من مدارس بيروت من جهة أخرى. استهل عمله الصحافي في مجلة «الحرية»، ويقول عنها: «كنت أكتبها من الغلاف إلى الغلاف، وكنت أحرر مقالات وأوقعها بأسماء صارت لاحقاً معروفة لدى أصحاب الصحف، حتى إن أحدهم طلب مني أن أعمل عنده، فرفضت». عمل أيضا في مجلة «الجمهور الجديد» وانتقل إلى «دار الصياد» عام 1965، وعــمل في مــجلة «الشبكة» وفي صحيفة «الأنوار»، وبقي أحد أركان الكتابة في منشورات «الصياد» حتى الرمق الأخير. نعته نقابة المحررين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الذي كان هو أحد مؤسسيه، وتقام مراسم جنازته اليوم في بيروت، على أن ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه جديدة مرجعيون حيث يوارى في مدافن العائلة.