بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر إثر ثورة شعبية ساندتها المؤسسة العسكرية، عاد إلى الجدل مدى قبول جماعات الإسلام السياسي بفكرة الديموقراطية والرهان عليها كسبيل سلمي ومدني للوصول الآمن إلى السلطة، وجدّد ذكرى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه جنرالات الجيش الجزائري على الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائزة بالانتخابات بنتيجة ساحقة، ما دفع الإسلاميين إلى انتهاج «العنف» رداً على الانقلاب وأدخل البلاد في أتون حرب أهلية ضارية تداخلت فيها المؤامرات مع الإرادات في شكل لا يكاد تتضح فيه التهمة من البراءة. الكاتب والطبيب السعودي وليد الشرهان يرى أن الوضع في مصر أشد خطورة مما تتصوره غالبية الأطروحات التبسيطية للواقع، ويقول: «لسنا بصدد الحديث هنا عن فشل الإخوان في إدارة المرحلة الانتقالية، وقد أخفقوا بالفعل بوضع يدهم بيد الثوار لبناء واقع جديد مستندين على الشرعية الثورية، واكتفوا بتحالف هشّ مع العسكر أدى لإسقاطهم لاحقاً». وأشار إلى أننا أمام واقع جديد يضع مصر أمام مفترق طرق بإشارات مقلقة عدة، من إزاحة الإخوان عن الحكم، واستخدام السلطة المفرطة لبعثرة تجمعاتهم لاحقاً، لن يفضي إلا لتقوية شعور العزلة والاستعداء لدى الإسلاميين، وهو الغذاء الذي أبقى القاعدة وبقية الجماعات الإسلامية المتطرفة حية حتى الآن، وللدكتور الجابري الفيلسوف المغربي قول في هذا، وهو أن التطرف مرض لايترعرع إلا في بيئات الاستبداد، ويموت عندما يسود الاعتدال فيكون هامشياً بلا شعبية». ويضيف بأن انقلاب الجيش المصري على رغم كونه مدعوماً من شرائح واسعة من الشعب إلا أنه أضعف حجية وصدقية الجناح الإسلامي الديموقراطي أمام نظرائهم الذين يرون التغلب والعنف طريقاً وحيداً لتحكيم الشرع.. ولا شك في أن عدم احتواء الإسلاميين ديموقراطياً سيدفع بهم لأحضان التطرف أو الاعتزال، وقد يكون هذا القلق مفسراً لرد فعل بعض الدول الغربية التي وقفت موقفاً سلبياً تجاه الإطاحة بمرسي، خصوصاً وأنه كان حليفاً مرناً متفاهماً مع الغرب، وكونه إسلامياً جعل منه قادراً على مخاطبة الجماعات الجهادية لتشابه المنطلقات. واعتبر الإطاحة بمرسي عسكرياً عودة بعجلة الزمن للخلف، ولكن هذا ليس سيئاً بالضرورة في اعتقاده، إذ لو تمت إدارة المرحلة الانتقالية لإعادتها لدفة الديموقراطية، فلربما كانت هذه الفوضى قادرة على توليد حال جديد يخلخل القبضة الدينية العسكرية المسيطرة على المزاج السياسي المصري، فكأنما هم أمام خيار صوفي من الرواية الشهيرة.. لكن الوضع الحالي للإعلام المصري الذي عاد لصنعته التي يبرع بها - صناعة الطغاة -، والتضييق القضائي على ناشطين مثل وائل عباس وغنيم بدعاوى التحرك المدفوع بتمويل أجنبي، والقبضة الأمنية القوية في كل مكان يجعل مخاوف تكرار ولادة استبداد عسكري جديد شرعية للغاية! وأضاف: «حتماً هذا هو الوقت الذي يجب أن يدرك فيه الثوار أن تجنيب مصر لهذا المصير يتطلب يقظة بالغة في هذه المرحلة، فالعسكر لن يجازفوا باستعداء كل الشرائح السياسية حتماً.. وخلق ضغط يجعل العسكر أمام حقيقة أنهم سيقابلون بثورة ثالثة لو فكروا في الاستئثار بالسلطة مجدداً، وهذا هو واجب كل مصري يرغب في المحافظة على مكاسب ثورة يناير الديموقراطية». الباحث الشرعي والكاتب الصحافي عبدالله العلويط يرى أن الإسلاميين وخصوصاً أصحاب التوجهات الانفتاحية لن يتخلوا عن الديموقراطية كطريقة للوصول إلى السلطة، ولكنهم قد يتخلون عنها في هذا الظرف الراهن، أي يصورون الوضع على أنه استبدادي كحال الأنظمة التي انهارت، وأن حكم العسكر عاد ولن تصلح معهم الديموقراطية وإنما المظاهرات أو الثورات، فإذا وصلوا لهذه القناعة فإنهم قد يتجهون للعنف، والأسوأ من هذا بالنسبة لهم هو ألا يُعاد انتخابهم مرة أخرى بسبب الرفض الشعبي لهم، وحينها سيكفرون بالديموقراطية في شكل حقيقي، ويعودون لمبدأ الاستحواذ على السلطة بالقوة لتنفيذ شرع الله كما هو حال «طالبان». ويؤكد أن فشل الإسلاميين متوقع لغياب المشروع الإسلامي وبسبب أخطائهم وربما بسبب الإعلام الموجه ضدهم أيضاً، ولن يتم انتخابهم مرة أخرى، لكن هذا الإقصاء العسكري لهم قبل الانتخابات القادمة يوحي للناس بأنهم جديرون بالسلطة، ولا يثبت فشلهم عملياً، فبسبب حكم العسكر المتسلط طوال الأعوام السابقة أصبح أي خصم لهم أو معارض على حق في الغالب، ويعتقد العلويط أنه قد تتشكل فصائل على هامش هذه الأحداث يتوقع منها ممارسة الإرهاب أو القتال المسلح للوصول إلى السلطة، أو يدخل «القاعدة» على الخط وإن كان هذا مستبعداً في الوقت الحالي لأنهم يرون أن الإخوان أنفسهم ليسوا على جادة الصواب. ويصف العلويط حال الإقصاء التي يتعرض لها الإسلاميون سياسياً وإعلامياً في مصر بالسيئ، ولكنها متوقعة وبها جناية عليهم، ولكن في المقابل أسهموا بها هم أنفسهم أيضاً، فلديهم أخطاء كارثية، وعدم تريث والتسرع كما هو في الإعلان الدستوري وهذا في إقصائهم حينما كانوا في السلطة، وأما إقصاؤهم من العملية السياسية برمتها فهو جناية عليهم، ولكن حتى لا يُقصون مرة أخرى فإنه لا بد من المشروع السياسي الإسلامي، فما ينقصهم وينقص أي عمل سياسي إسلامي هو أنهم طوال الفترات السابقة ومنذ ظهور النشاطات الدينية في السبعينات لم يكن هناك وجود لبرنامج سياسي إسلامي. واعتبر فوزهم في الانتخابات ليس لنجاعتهم أو بروزهم أو قناعة الناس بمشاريعهم، وإنما تعاطفاً معهم لأنهم كانوا مضطهدين أيام مبارك، وهذا يوحي بنقاوتهم من الفلول بخلاف الأطياف الأخرى التي يتوقع أنها مشحونة بالفلول، وكذلك العمل بمبدأ عدو عدوي صديقي، فبهذا التلازم اكتسبوا الشعبية أكثر من المشاريع المكتوبة المعروفة، أي انتخبوا باللازم كما يقول المناطقة، وهذه بكل تأكيد لا تكفي، ومع العمل السياسي الذي مارسوه وهم في السلطة ظهرت العيوب سريعاً، وبالإمكان تفادي كل ذلك بطرح المشروع الإسلامي وأخذ مزيد من الوقت في التنظير ثم الترشح مرة أخرى، فهنا تصبح العملية أكثر انتظاماً ودقة وقبولاً بالنسبة لهم.