مازال نفر من مجتمعنا مقتنع أن المرأة أمام الفتن تنساق وتنجر بسهولة بغض النظرعن تربيتها أو مدى اتزانها، وتحتاج دوما لرجل فوق رأسها لضبطها.. وأنها مخلوق يجهل تدبير أمره ويجب أن تسيرعلى الخطوات التي يرسمها الرجل وداخل الحلقة التي يقننها الرجل.. وأن تظل مغيبة في كثير من جوانب الحياة!! مثلا.. لا يتقبلون فكرة عمل المرأة كاشير لأنها في نظرهم ـ فضلاً عن كونها جالبة الفتن ـ تعجز عن إدارة نفسها في مكان عام مليء بالناس ومليء بالرجال (تربة الغواية الخصبة)!! وهم أنفسهم لا يمانعون أن يرونها على رصيف شارع تمد يدها للناس ـ ومع خطورة ذلك على كرامتها وعليها ـ إلا أنه لا مشكلة في ذلك فالمرأة الشحاذة ليست أنثى فلا تَفتن ولا تُفتن هي مجرد هيكل نتصدق عليه (حسب فكرهم)!! ويجن الرجل منهم لو رآها تتابع بعض القنوات المليئة بالمواد الهابطة لا من باب المباح والمحرم فهو يبيح لنفسه مشاهدة تلك القنوات بمفرده أو مع أصحابه، بل من باب أنها امرأة تضعف أمام المثيرات التي تدفعها للنزوات ،وهذه اللعنة الملتصقة بها سبب في سن تشريع خاص نصه: حلال عليه حرام عليها .. بالطبع أنا لا أطالب بإباحة مثل تلك الأمور بل أعترض هذا التشريع الغريب!! ولو حدث أن قرر رجل السفر معها للخارج يضطر أن يذهب بادئ الأمر بمفرده كجولة مسح واستكشاف لمدى تكاثر المفاسد لأنه ـ على عكسها ـ قادر على ضبط نفسه أمام المغريات أما هي فلا تملك بداخلها الموجّه والضابط الذي يثبت أقدامها في تلك المواقف فتنزلق بسرعة البرق في هذا الوحل المدنس !! أيضا كثيرا ما يرفض الرجل أن تذهب زوجته أو أخته للتجمعات وهي تجمعات نسائية بحته سواء كانت (علمية.. فنية .. اجتماعية .. أدبية .. تجارية .. ترفيهية ..أعمال تطوعية ) بحجة كلام فاضي وما يجي من ورا هالحريم غير الشر والخراب!! الواحدة منهن تكون قد تجاوزت سن 25 عام وترغب في المشاركة في هذه التجمعات لحاجات وأهداف لديها ، مع ذلك يقرر هو المنع والرفض متجاهلها تماما.. ليس لأنه لا يحبها.. هو يحبها حب بطريقته، حب لا يحمل في طياته ثقة في اختياراتها وقراراتها ورغباتها ودائما هي في نظره لا تعرف مصلحتها فيجب عليه أن يفكر عنها ويقرر عنها!! ولعل أغبى ما قد يقوم به هذا الصنف هو ما يحدث في العيادات الصحية فالطبيب يوجه الأسئلة للمريضة وهي صامته كخيال المآتة ويتكلم عنها محرمها فيصف ويشرح، تارة يضع يده على بطنه وأخرى على كتفه ومرة على ظهره ولو استطاع لاستلقى على السرير ليفحصه الطبيب بدلا عنها!! أليست القاعدة الثابتة :فلا تخضعن بالقول ؟؟! ألم تكن النساء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدثن معه ويسألن عن أمورهن ويجيب عليهن صلوات الله عليه ؟! وتجاوباً مع تلك القناعات تصدر بعض المستشفيات نظاما تمنع فيه المريضة من دخول عيادة الطبيب إلا بوجود محرم بالغ حتى مع تواجد الممرضة!! هل من الأدب والاحترام التشكيك في أخلاقيات الطبيب والمريضة؟!! حقيقة..إن توفر طبيبات لعلاج النساء مطلب هام لدى الجميع ، و رغم حاجة المجتمع الماسة لهن إلا أن نصيبهن من احترام الناس جدا قليل!! فكثير من الرجال يرى أنها مهنة ملوِثة لصاحبتها وفي ذات الوقت يحرص على طلبها لامرأته، لأن امرأته هي الأنثى الوحيدة التي يجب أن يكون عليها الخفر!! شيء آخر في بعض الأحيان يكون مكتب الاستقبال مؤنث تماما ومع ذلك يمسك الرجل زمام الحوار مع الموظفات وتظل المرأة التي برفقته تترقب عن بعد، لأنها اعتادت على أن لا يكون لها صوت أو دور أو وجود، حتى إن كان وجودها في الموقف أولى من وجود الرجل!! ولو كان العكس لما تقبل الرجل أن تتحدث امرأته مع موظف أو مسؤول أتعلمون لماذا هذا التناقض ؟ الجواب نظراً للعوامل الآنفة الذكر حلال عليه حرام عليها ولا تنسوا الموظفة أيضا ليست أنثى !! ولا أظن أن أحداً سينسى نقمة أغلب المجتمع في بداية مشروع تأنيث محلات المستلزمات النسائية، حتى أن خُطباً عنونت بـمفاسد تأنيث المحلات مع أنه مشروع أكثر حشمة و احتراما للمرأة.. ويظلون يدافعون عن مواقفهم بتقديمها داخل إطارات شرعية لا أساس لها في الشرع .. والحقيقة أن ما أثار حفيظتهم هو وجود امرأة مشاركة ومساهمة في مضمار الحياة مستقلة عن واجهة الرجل!! والمضحك أن كثيراً من النساء لا يجدن مشكلة في هذه الكيفيات التي تقلل من شأنهن أو تغيبهن أو بالأصح أنهن استسلمن لهذا الوضع، فالمرأة منهن وإن تذمرت لا تملك من أمرها شيء ، لن تتجرأ لتبدي رأيها أوتعترض ،وإن تجرأت فلن تلقى أذن صاغية هذا إن لم يُـنظر لها بعين التوجس أو النقمة، لأن مجتمعنا قد شرب هذه الثقافة شربا وتشبع بها جيلا بعد جيل فجلّهم إن لم يكن كلهم (رجال ونساء) مقتنع بأن المرأة لابد أن تظل خاملة فكرياً واجتماعياً وكادحة فقط بدنياً. بقي الآن أن يعلم كل من ينتمي لهذه الشريحة أن المرأة رغما عن من رضي أو سخط خرجت للكفاح ولمواجهة كافة ميادين الحياة الصعبة ولكنها للأسف لا تمتلك أدوات ولا أساليب المواجهة ولا حتى الثقة بنفسها وبقدراتها.. فتراها في المواقف الصعبة تتلفت يمنة ويسرة تنتظر من يواجه بدلاً عنها كما اعتادت، وعندما لا تجد أحداً، تضطر للمواجهة بدون استعداد فتتعرض للفشل كثيراً !!