اضمحل حلم الهلال الآسيوي بعد أن طارت كأس القارة الفضية من الرياض إلى سيدني، وطارت معه عقول الهلاليين بعد أن فاضت قلوبهم وجعاً على فقدان فريقهم فرصة التتويج بلقب غالٍ جداً كان في المتناول، فقده "الزعيم" بعد أقسى مباراة في تاريخه الحديث، تجسد فيها سوء الحظ، وحضرت خلالها الأخطاء التحكيمية في أقبح أشكالها، فكانت تلك النهاية المؤلمة التي أسدلت الستار على مشوار الهلال نحو "العالمية". وتعالوا لنكن واقعيين وعادلين، ولنبتعد قليلاً عن النظرة العاطفية، إذ لم تشكل زلات الحكم الياباني نيشيمورا سبباً وحيداً لخسارة الهلال للكأس، وإنما كانت كانت عوامل أخرى مساندة أوصلت الهلال إلى هذه النهاية العقيمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخلاء طرف المدرب ريجيكامب من المسؤولية، إذ أنه فشل على مدى مباراتين حاسمتين في فك السواتر الدفاعية التي شيدها المدرب الأسترالي العنيد توني بوبوفيتش أمام مرمى فريقه، ولم يحدث أي مفاجأة تكتيكية في مباراة الإياب تحديداً، كما افتقد القدرة على ابتكار الحيل التكتيكية المضادة القادرة على فك طلاسم الفريق المنافس، بالإضافة إلى افتقاره للشجاعة اللازمة للبدء بمغامرة هجومية مع بداية الشوط الثاني، وتأخره بالدفع بأوراقه الرابحة، الشيء الذي أدى إلى إبطال مفعول ناصر الشمراني، نتيجة بقائه معزولاً وحيداً بين أبراج المراقبة الدفاعية، وأفضل وصف لما حدث في النهائي هو: رضوخ ريجيكامب للأمر الواقع الذي فرضه بوبوفيتش على أرض الملعب. وهناك عامل آخر كان حاضراً بقوة وأدى إلى ضياع جملة من الفرص الهلالية السهلة أمام مرمى الضيف "الثقيل"، وهو غياب القدرة على الثبات الانفعالي عند أكثر من لاعب مهم ضمن صفوف الفريق الأزرق، فكان اندفاعهم المبالغ فيه منذ الدقيقة الأولى من المباراة سبباً لفقدانهم التركيز المطلوب في اللمسة الأخيرة، ولا يمكننا إغفال تأثير الجوانب السيكولوجية على أداء لاعبي كرة القدم في المباريات الحاسمة، ويذهب البعض إلى اعتبار الإعداد النفسي جزءاً من الواجبات التي يختص بها الجهاز الإداري للفريق، إلا أنني أرى أن الدور الإداري يظل دوراً مسانداً في هذا الجانب، بينما يقع الدور الأكبر في الإعداد لمثل هذه المواجهات على عاتق اللاعب "المحترف" نفسه، لأن المفهوم الحقيقي للاحتراف لا ينحصر في حدود التفرع وأداء التدريبات الصباحية والمسائية وتوقيع العقود المليونية، بل يمتد إلى قدرة اللاعب المحترف على عزل نفسه عن أي مؤثرات خارجية سلبية، ليتمكن من أداء وظيفته بالشكل الأمثل على أرض الميدان، وهذا ما لم يحدث عند أكثر من لاعب هلالي، ونتجة ذلك، بدت خطواتهم بطيئة متثاقلة، وبدوا عاجزين عن الظهور بمستوياتهم الحقيقية. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن باب الإنصاف ينبغي لنا أن نقر بأن الأمير عبدالرحمن بن مساعد قد بذل كل ما بوسعه، وأنفق من المال ما يتجاوز حدود طاقته، وغامر بصحته، في سبيل تحقيق البطولة الآسيوية المستعصية، ولكن، ما نشاء إلا أن يشاء الله رب العالمين، ولكل بداية نهاية، باستثناء طموح الهلال الذي لا ينتهي. -------------------- * نقلا عن (الرياضية ) 3/11/2014