من مضحكات الدهر أن يتم حرمان المجتمع من تخصصات علمية هو بأمس الحاجة إليها، بل وتعد تلك التخصصات ضرورية للنهوض بالعمل الإداري وتطوير القوى العاملة وتحسين جودة العمل والإنتاجية ورفع معنويات العاملين. آلاف الخريجين والخريجات الذين يحملون تخصص الإدارة الصحية، يتم الرمي بهم في غياهب أنظمة الخدمة المدنية، التي همها الحفاظ على أنظمتها وموظفين تم توظيفهم في الجهاز الحكومي قبل عصر التخصصات بل وقبل عصر الجامعات، وبسبب نظام الخدمة المدنية البالي تتم ترقية هؤلاء حتى يتبوأوا مراكز إدارية وقيادية تفوق قدراتهم الإدارية ومعلوماتهم الصحية في المؤسسة الصحية الحكومية، دون مراعاة لأهمية التخصصات وحتمية المعرفة والتأهيل الذي يفتقر له هؤلاء الذين وصلوا فقط عن طريق سنوات خدمتهم. وليس بجدارتهم، التي يدعيها حراس البيروقراطية في الخدمة المدنية. فإذا كان ذلك مقبولا أو مسكوتا عنه فيما مضى، لندرة المتخصصين، فمن غير المبرر مهنيا أن يتم حرمان المتخصصين من المتخرجين والمتخرجات في الإدارة الصحية من العمل بوزارة الصحة وفروعها وقطاعاتها. إن إشغال الوظيفة الإدارية في القطاعات الصحية بكوادر طبية أي بالأطباء لهو عمل غير مهني وغير مقبول يجب أن يحاسب عليه من هم في الصحة ووزارة الخدمة المدنية. فهل يجوز حرمان متخصص ومتخصصة الإدارة الصحية، ليشغل وظيفتها طبيب مع بدل عمل إداري؟ وهل يجوز إشغال الطبيب عن مهنته وعن مرضاه وتعطيل المرضى وتأخير خدمتهم ليشغل وظيفة لا يتقنها ولا يملك الوقت الكافي لشغلها؟ هل لدينا عجز بخريجي وخريجات الإدارة الصحية وهم الذين تتقاذف قضيتهم وزارة الصحة ووزارة الخدمة المدنية؟ أليس ما تعانيه القطاعات الصحية وفروع الصحة من تدني مستوى الخدمات وضعف للأداء وتزايد للأخطاء الطبية هو نتيجة مباشرة للأداء الإداري الغائب أو المغيب؟ لماذا تتزايد قصص فشل القيادات الإدارية في القطاع الصحي مع كل اختبار. منذ أسبوع كتب الصديق خالد الحمد بمرارة عن انقطاع الكهرباء في غرفة الإنعاش بأحد المشافي في الجوف، حيث فارق الحياة مريض بسبب توقف الأجهزة، ولم يكن في المشفى طوال ساعتين ونصف أي مسؤول مناوب، بذل خلالها ابن المتوفى، جهودا كبيرة لإنقاذ أبيه فذهب إلى الشؤون الصحية، ليحضر أحد الفنيين لتشغيل الكهرباء، هذا الفني ذكر بأن الشخص الذي يشغل الكهرباء في الحج وليس في الجوف!! ثم وفي حالة هستيرية أتى الابن بفني شركة كهرباء الجوف لتشغيل الكهرباء جزئيا لغرفة الإنعاش على الأقل، وحين تمكنوا من التشغيل الجزئي كانت المفاجأة أن التشغيل الجزئي يضيء بعض المكاتب وممراتها ولم تتم برمجته لغرفة الإنعاش على الإطلاق. هذه القصة وغيرها هي مشكلة إدارية بامتياز. إذ كيف ينام المسؤولون الصحيون في الشؤون الصحية بمنطقة الجوف والمشفى التابع لهم وهم يعلمون أن المشفى بلا تشغيل جزئي للكهرباء وبلا مسؤول مناوب؟ وسؤالي لمعالي وزير الصحة، كيف تتصرف الوزارة مع مدير أو مديرين لا يتحملون المسؤولية؟ ولماذا تبقى الأخطاء الإدارية بعيدة عن الإعلام على الأقل لتبرئة من لا علاقة لهم بتلك الأخطاء ولماذا لا يتم الكشف والإفصاح عن المتسببين؟ وسؤالي الثاني تعلمون أن مشكلة وزارة الصحة هي قيادات إدارية صحية، لماذا لا تستأنفون استقطاب آلاف الخريجين والخريجات في الإدارة الصحية والذين تم وقف تعيينهم منذ 1423 دون حجة وتتخلصون من «الحرس القديم» من المديرين غير المتخصصين وغير المؤهلين، فضلا عن ظاهرة خطيرة في القطاع الصحي عموما وهي تحويل الأطباء إلى مديرين؟ فقد كشفت إحدى الدراسات بأن 90 % من مديري مستشفيات وزارة الصحة في المملكة لا يحملون مؤهلا دراسيا في تخصص الإدارة الصحية. وأن 34 % من مديري المستشفيات البالغ عددها حوالي 250 مشفى لا يحملون شهادة البكالوريوس فضلا عن مديري فروع الوزارة في مناطق المملكة ومديري الإدارات الوسطى ورؤساء الأقسام في الوزارة والفروع. أختم وأقول إن من يعيشون المشكلة لفترة تتجاوز الحل، لا يمكنهم أن يسهموا في حلها، ولذلك أقترح صادقا أن يقوم فريق من خارج الخدمة المدنية بدراسة الحالة المتكلسة التي وصلتها الخدمة المدنية وأنظمتها وآلياتها، حيث أصبحت هدفا وغاية ونسي حراسها أنها وسيلة إلى درجة عدم قابليتها لتعيين متخصصين ومتخصصات في الإدارة الصحية رغم الحاجة من القطاع الصحي وحاجة الخريجين والخريجات للعمل.