لم تُحمّل مباراة كرة قدم فيما عاصرت وعرفت ووعيت, كما حُمّلت مواجهة إياب دوري أبطال آسيا بين الهلال وسيدني الأسترالي. توسعت رقعة الاهتمام بالمباراة خارج إطار الرياضة لتبلغ ميادين دينية عقائدية وثقافية وسياسية واجتماعية, تبارى فيها المحبون والكارهون كل في إثبات ما ذهب إليه, حتى خُيّل للمتابع المحايد وهو يقرأ السؤال التافه يُتداول: "كيف تشجع الكفار على المسلمين", أننا أمام غزوة سيدني المباركة لا مواجهة كرة قدم. .. بعد كل هذا الزخم الكبير, من الطبيعي أن تكون ردة الفعل بعد المباراة تفتقد الروح الرياضية, وبعيدة عن أهداف الرياضة السامية, ليس مستغربا مشاهدة مشجع يُضرب في المدرجات, ولم تكن بصقة ناصر الشمراني عنوانا للرياضي السعودي الحقيقي, ولم يكن تبادل التهم والشماتة إلا إفرازا متوقعا لما سبق المباراة. الشحن النفسي الكبير الذي مارسه بعض الهلاليين تجاه أنفسهم وفريقهم وخصومهم, والرد المماثل من بعض مناوئيهم, من الطبيعي أن يخلف ما خلف من صور لا تعبر عن فروسية الرياضة وأهدافها الحضارية والترفيهية والاقتصادية. وكل الأحاديث التي تلت المباراة لم تتحدث عن أسباب الهزيمة والانتصار, قدر ما سارت في ركاب الرد على ما لا يستحق الرد. .. على المعشب الأخضر, فقد الهلال أكثر من نصف آماله في نزال الذهاب, مُذ أن عاد من سيدني بخسارة, وغابت الرؤية المنطقية عن قراءة مباراة الرد, جُل ما قيل كان يسفّه المستوى الفني للمنافس, ويحقّره, وينتظر صافرة الختام لإعلان الأزرق بطلا للقارة الصفراء, وغابت عن المحتفلين مسبقا, حقيقة أن سيدني خطط للذهاب كما يريد, وله خططه الخاصة في الإياب, ولن يكون ضمن المنتظرين لتتويج الهلال. .. وها قد خطف الأستراليون لقبا متاحا, وبطولة هي الأسهل في تاريخ مشاركات الزعيم الآسيوية, ماذا بعد؟ وكيف يمكن الاستفادة مما حدث؟ يتوافر للهلال الحالي فريق جيد, لا يشبه هلالات كندينو ولا هلال كوزمين ولا خلفه جيرتس, هلال يقف في الصف الأول محليا إلى جوار ثلاثة فرق أخرى, ويفتقد لأشياء واضحة للعيان أهمها أنه لا يملك لاعبا واحدا على دكة البدلاء يمكن أن يشارك ويغير المباراة, وليس لديه خيارات متعددة في مراكز حساسة. الأزرق الحالي هو الفريق السعودي الوحيد الذي يلعب بمدافعين أجنبيين, وهي نقطة تطرح الكثير من التساؤلات: هل يعقل أن الهلال العظيم لا يملك لاعبا مواطنا واحدا في قلب الدفاع؟ الأزرق الحالي لديه مدرب منظم وطموح جامل كثيرا في استقدام مواطنه بنتيلي رغم جودته - في وقت كان الفريق في حاجة إلى مهاجم أجنبي مختلف. .. أمر آخر, بات سائدا في الهلال ولم يكن من قبل ضمن ثقافاته, وهو أن الأزرق لم يعد بالجرأة نفسها في منح شبابه فرصة اللعب في الفريق الأول, وآخر لاعب قدمه الأزرق للساحة من فئاته السنية هو نواف العابد قبل خمسة مواسم وبعده الحارس عبدالله السديري قبل أربعة مواسم.. بل إن دكته تضم لاعبين أحدثهم هو عبدالعزيز الدوسري صاحب المواسم الثمانية مع الهلال, والحديث يستثني القادمين من خارج النبع الأزرق, هل هذا هو الهلال المعين الذي لا ينضب؟ كل ما قلته أعلاه, سيأتي أحدهم ويسفهه, بقوله: لو احتسب الياباني نيشمورا واحدة من الجزائيات لما قلت ما قلت, ولو سجل الدوسري والزوري واحدة من فرصهم في الذهاب لما قلت ما قلت, وأقول له: نعم لو فعلوا لن نقول, ولكنهم لم يفعلوا ولذلك نتحدث عن واقع, لا تخيلات باستخدام "لو". نقلا عن الاقتصادية