قبل ستة اشهر، كانت المنطقة الصناعية عند طرف مدينة حلب شبه مهجورة، قبل ان ينزح اليها آلاف السوريين ويحولوها الى "حلب الجديدة"، بحسب ما يقول سالم، احد اوائل الذين لجأوا الى الشيخ نجار. ويوضح سالم (22 عاما) "في البداية، كانت مدينة اشباح. كل المصانع كانت مهجورة، ولم يكن يوجد احد في الشارع. اليوم، هي تنبض بالحياة، وهناك الالاف الذين يعيشون في حلب الجديدة هذه". ويضيف "هناك مطاعم، ومحطات وقود، ومحال البسة، وحتى محل حلاقة". ويتشارك سالم مع زميل له ادارة محطة وقود مزدهرة وتعمل على مدار 24 ساعة في اليوم. ويقول وهو يملأ خزان سيارة تقل سبعة مقاتلين معارضين، "لدينا عدد كبير من الزبائن، والتجارة في وضع لا بأس به". وكان سالم يعيش مع عائلته قرب مستشفى الكندي في حلب في شمال سوريا، وقد فروا قبل ستة اشهر، مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في منطقتهم بين القوات النظامية ومجموعات المعارضة المسلحة. كذلك فر احمد الذي يعمل حلاقا من الحي نفسه تاركا محله، ليلجأ الى الشيخ نجار التي كانت تعتبر قبل الحرب اكبر مجمع صناعي في سوريا. وفتح احمد في المنطقة الصناعية محلا جديدا. ويقول "في البداية، كنت اشك في امكانية ان يقلع المحل، لكن اليوم، بات عدد زبائننا يفوق المئة يوميا". واضطر احمد لتوظيف شخص معه. وهو يتقاضى 150 ليرة سورية (اقل من دولار) على قص الشعر وحلاقة الذقن. وتقول المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة ان اكثر من ربع السوريين نزحوا نتيجة النزاع منذ منتصف آذار/مارس 2011، بينهم مليونان غادروا سوريا، واكثر من اربعة ملايين نزحوا داخل بلدهم. في الشيخ نجار، وجد البعض عملا، الا ان الحياة تبقى هشة وصعبة. ويقول محمد (26 عاما) الذي يعمل في مصنع للاقمشة مقابل اربعة الاف ليرة سورية في الاسبوع (20 دولارا أميركياُ) "وجدت هذه الوظيفة بعدما انتقلت من مصنع الى مصنع. اعتبر نفسي محظوظا، لان صاحب المصنع كان قرر بدء العمل منذ وقت قصير، ولم يكن لديه عمال بعد". وكان محمد يتناول طبقا من الارز مع الفلفل الاخضر والطماطم. في الطابق العلوي، تغسل والدته، ام ياسين، الاطباق في غرفة استبدلت جدرانها باربع بطانيات معلقة على شكل ستائر. ويتم جلب المياه من نبع قريب. وتقول ام ياسين "ظروف الحياة صعبة. لكن على الاقل، نعيش من دون خوف من غارة جوية او قنبلة تدمر منزلنا. منذ ان استقريت هنا قبل خمسة اشهر، صرت انام في الليل وتوقفت كوابيسي". وتحول سائق التاكسي ابو احمد (51 عاما) في الشيخ نجار الى بائع مواد غذائية مقابل 2500 ليرة سورية (12 دولارا). ويقول "عائلتي في منأى من الحرب. وانا اعمل واكسب عيشي. ماذا اريد اكثر من ذلك؟". الا انه يعبر عن خشيته من اقتراب موسم الشتاء. "العام الماضي، كان الشتاء قاسيا جدا. امضيناه في مخيم للاجئين في تركيا، ورأيت عددا كبيرا من الاشخاص يموتون من البرد. لذلك قررت ان اعود الى بلدي. وكذلك فعل عدد من اصدقائي". وتبقى غالبية المصانع والمصالح الستة الاف الموجودة في الشيخ نجار مقفلة، بسبب المعارك والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. ويكاد بعض النازحين لا يجدون ما يقتاتون به. ويقول هزاع شحود (43 عاما)، وهو عامل بناء ووالد لاربعة اطفال، "لم اجد عملا ثابتا منذ شهرين. بدأ المال ينفد منا". ويتابع وهو يمسح دموعه "كل يوم، حين أتأمل زوجتي واولادي وهم نائمون، اقول لنفسي لعلني جبان... لكن لم يعد في امكاننا البقاء في حينا، لان القصف والمعارك كانت قريبة جدا من المنزل". ويعتمد هزاع على كرم جيرانه وعلى مقاتلي لواء التوحيد الذي يقاتل النظام في حلب. ويؤمن هؤلاء "لنا الخبز والطعام لنتمكن من البقاء على قيد الحياة".