إذا كنت ِامرأة تقطنين في السعودية، ومحاطة بمجتمع ترعرع على مفاهيم وقيم معينة رافضاً استبدالها على الرغم من مرور عقود طويلة عليها، أهمها وجود «الذكر» في واجهة المشهد دوما، فأنت ِغالباً أم فلان أو حرم فلان أم ابنة فلان! إذ تنشأ الفتاة في مقتبل طفولتها وسنوات نضجها الأولى، ويتم التعريف عنها بابنة فلان، الذي له مكانته ووضعه الاجتماعي، حتى تكبر وتتزوج، وتتلقى كل حين بطاقة دعوة كتب على ظهرها المكرمة «حرم فلان».. أما إذا مضت السنوات وتقدم بها العمر، وأصبحت امرأة مجتمع يستبدل عنها هذا اللقب، وتصبح أم أحمد أو أم فيصل أو أم عبدلله، متباهيةً بهذا الاسم، ومرتبطة ارتبطاً عاطفياً وثيقاً به. هذه الثقافة لم تظل حبيسة المجالس وموثقة في أحاديث النساء وبطاقات الدعوة فحسب، بل امتد أثرها الثقافي على حياة المرأة التي آمنت في وعيها ولا وعيها، بأنها كائن ناقص وغير متكمل، ويجب أن يكون تابعاً لكيان ذكوري، ما جعلها دوماً تابعة لا قائدة، ومتأثرة لا مؤثرة، فأتى ذلك على ثقتها بنفسها وإيمانها بكينونتها واستقلالها الإنساني. هذه الثقافة التي تحتفي بالرجل وتمنحه صك القيادة وشرف الوجاهه، طالت قوانين البلاد وأروقة القضاء والمحاكم، التي لم تقبل اسم المرأة موثقا بهويتها الوطنية دون معرّف من معشر الذكور حتى وقت قريب، كما أنها يجب أن تتبع إما زوجها أو أباها في بطاقة العائلة، ولا تسافر أو تدرس أو تعمل في بعض المهن إلا بإذنه ومباركته. كل تلك التشريعات القانونية والأعراف الاجتماعية، التي تؤمن بأفضلية الرجل مقابل مرتبة إنسانية أدنى للمرأة، مررت طويلة لها عبر رسائل خفية، مثل تلك الألقاب التي ذكرتها في مطلع المقال، وأتت بمباركة وترحيب لا واعي منها، فنالت من شخصيتها الاعتبارية كمواطنة وإنسانة على المستوى التشريعي والاجتماعي والسياسي، والمتعلق بقرارتها المصيرية، كحقها في اختيار شريكها، أو قيادة مركبتها، أو حضانة أطفالها وغيرها من الحقوق الأساسية. على الرغم من أن كتب التاريخ والسير حافلة بأسماء نسائية ناصعة في عطاءاتها ومبدعة في مجالاتها، لم تعتمد بشهرتها على الرجل أو الاتكاء على أهميته مهمها بلغت مداها، حيث لازلنا نردد بفخر مريم بنت عمران وعائشة، وخديجة والخنساء، كاسم مجرد إلا من صاحبته، التي أضافت له أهمية عبر عطائها وعبقريتها، فليس من المستغرب أن نجد هناك سورة قرآنية كاملة باسم (مريم). كما أننا لا نجد في الثقافة الغربية التي قطعت أشواطاً طويلة في طريق المساواة بين الرجل والمرأة، وفي احترام قيمة الفرد أمام سطوة الجماعة امرأة تدعى بأم ديفيد، أو بنت توماس، أو حرم نيكولاس، بل تعرف وتدعى باسمها وتنتسب باسم عائلتها لزوجها مما يشكل مرتبة أقل من اسمها الأول الذي تدعى به. فحريّ بنا أن نفتخر بأسمائنا «هويتنا» ونرفض أن نتوارى خلف ظل ذكوري يمنحنا شيئاً من الثقة والاعتزاز بالذات وإن كان مزيفاً ومكلفاً جداً.