شهد عديد من قصور جدة التاريخية التي نزل بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - بعد دخوله الحجاز في الأربعينيات الهجرية، عديدا من الاتفاقيات المهمة للبلاد خلال السنوات التي أقام فيها - رحمه الله-، أبرزها اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول في السعودية مع إحدى الشركات النفطية الأمريكية. وأقام المؤسس في بيت نصيف في محافظة جدة عام 1344هـ الذي بُني عام 1281هـ على مساحة 900 متر مربع، كتحفة معمارية متفردة عن بقية بيوت المحافظة التاريخية، ويتكون من أربعة طوابق، صممت لها سلالم منخفضة حتى يتم الصعود من خلالها إلى مختلف الأدوار دون مشقة. وضم البيت أكثر من 40 غرفة تختلف مساحاتها من غرفة إلى أخرى، وحمام بخار تسخّن فيه المياه عن طريق الفحم، وفي أسفله صهريج كانت تتجمع فيه مياه الأمطار عند سقوطها ويستخدمه سكان البيت لأغراض الغسيل طوال العام. المؤسس استمع في قصور جدة التاريخية لمطالب المواطنين. واتخذ الملك عبد العزيز بيت نصيف مقراً لسكناه مدة راوحت ما بين سبعة و 11 عامًا، بحسب ما قال الباحث عبدالرحمن نصيف لمندوب وكالة الأنباء السعودية الذي زار المكان واطلع على محتوياته الأثرية، مبينا أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان يستقبل في القاعة الكبيرة كبار ضيوف الدولة ويجلس فيها لسماع مطالب المواطنين. فيما ذكر الباحث مازن السقاف مستشار مهرجانات جدة التاريخية، أن الملك عبدالعزيز – يرحمه الله - وقع في بيت نصيف كثيرا من الاتفاقيات مع سفراء ومندوبي مختلف البلدان، وزاره في البيت عديد من الرؤساء والشخصيات المهمة، والعلماء والمفكرون والأدباء. وأشار إلى أن البيت ضمّ مكتبة احتوت على آلاف العناوين في مختلف العلوم الإنسانية تم إهداؤها بعد وفاة الشيخ عمر نصيف لجامعة الملك عبد العزيز. وخلال وجود الملك عبدالعزيز في جدة، نزل في "بيت السقاف" الكائن في حي الكندرة، وفقا لما ذكر المؤرخ والمترجم الخاص للملك عبدالعزيز محمد المانع، الذي بين أن الملك المؤسس أجزل عطاءه لعائلة السقاف نظير فترة إقامته في بيتهم. كما نزل الملك عبدالعزيز في أحد القصور القديمة المعروفة في جدة باسم "القصر الأخضر" أو قصر العماري نسبة إلى الشيخ علي بن ناصر العماري الذي سميت منطقة القصر باسمه "حي العمارية". وولد الشيخ علي بن ناصر العماري في عنيزة عام 1280هـ، وفي سن السابعة دخل الكتاتيب وتعلم القراءة والكتابة والحساب، وانتقل هو وأخوه صالح العماري عام 1300هـ إلى عسفان وهي قرية تقع شمال جدة، وتبعد عنها مسافة 40 كيلو مترًا تقريبا ثم انتقلا إلى جدة، واستقرا فيها وسكنا في حي من أحيائها سمي "العمارية" لم يزل حتى يومنا هذا. وبني القصر من الخرسانة والحديد والأسمنت، وعدّ من أوائل من بنى بناءً مسلحاً في جدة آنذاك، ونزل به الملك عبدالعزيز فترة لم تتجاوز عامين تقريباً. بعد ذلك انتقل إلى السكن في قصر خزام الذي بُنِي له في منطقة كانت تعرف باسم النزلة اليمانية خارج جدة، وحين امتد العمران إليها أصبح القصر يقع داخل العمران. ووقع في قصر خزامى اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين الحكومة السعودية، ومثّلها الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية ممثلاً عن الملك عبدالعزيز، وشركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا ومثَّلها لويد هاملتون في 29 / 5 / 1933م. واستخدم الملك عبدالعزيز القصر لسكناه واستقبال ملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء والسفراء والقناصل وكبار المسؤولين والمواطنين وتسيير شؤون البلاد منه. وبعد وفاة الملك عبدالعزيز، استخدم الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله – قصر خزامى كمكاتب إدارية حتى عام 1383هـ حيث ضمه إلى قصور الضيافة، ثم سلمه لوكالة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف، وحُوّل إلى متحف إقليمي في 12 / 2 / 1402هـ بتوجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله - وتم افتتاحه في 17 / 10 / 1415هـ. ويحرص كثير من زوار المنطقة التاريخية في جدة على زيارة هذه المعالم التي تحكي قصة زمن وتاريخ مجيد صنعه الملك عبدالعزيز حتى يكون متاحاً لكل الأجيال القادمة؛ ليتعرفوا على تواضع ملك صنع تاريخاً لا يزال يقف أمامه الباحثون والمؤرخون في كل أنحاء العالم.