×
محافظة الرياض

لوبيز يعلن تشكيلة المنتخب لـ “خليجي 22″

صورة الخبر

أوائل عام 1969م حمل لي أحد صديقين الأول الشاعر عز الدين المناصرة والثاني لعله الكاتب الفلسطيني منذر عامر، مجموعة شعر لسميح القاسم الذي لم يكن معروفاً ذلك الحين، وكان عنوان المجموعة «بانتظار طائر الرعد» بطباعة سيئة وبورق جرائد، وقال لي ذاك الصديق، إنه هرّبه بوسائله الخاصة خوفاً من سلطات الاحتلال، وقال لي بالحرف الواحد إن سميح يتمنى لو أعيد طبع هذه المجموعة في بيروت. قرأت المجموعة وقلت في نفسي هذا شاعر كبير وهو أحد اثنين كبار، هو ومحمود درويش، لكن درويش كان الأكثر شهرة. حملتُ هذه المجموعة إلى الشاعر الراحل يوسف الخال الذي أبدى إعجابه بها وطلب مني أن ينشرها كاملة في مجلة «شعر»، وهذا ما حصل وبعد نشرها في هذه المجلة، حملتها إلى صاحب الآداب الراحل سهيل إدريس وعندما قرأها أعجب بها إعجاباً شديداً، لكنه طلب مني أن أُقدم لها، قلت له لست ناقداً، قال اكتب ما تستطيع فكتبت عنها نحو عشرين صفحة، كانت مجرد انطباعات فنشرها سهيل إدريس بطبعة جميلة مع المقدمة، وهنا ظننت أنني قد أديت واجبي. وقبل نشر هذه المجموعة، كنت في ذلك الوقت قد أجريت حواراً مع الشاعر الفلسطيني الراحل يوسف الخطيب، الذي سبق له أن قام بعمل جبار، إذ استطاع التعريف بشعراء الأرض المحتلة فأصدر كتاباً بحجم كبير، تحت عنوان «ديوان الوطن المحتل» وكانت هذه أول تجربة يُجمع فيها هذا الشعر، قبل غيره بزمان، إذ قال لي إن أكثر شعراء الوطن المحتل خصباً في العطاء الشعري هما محمود درويش وسميح القاسم، الأول هو شاعر البعد «الوطني» من القضية الفلسطينية، بينما الثاني هو شاعر البعد «القومي» من القضية ذاتها، ولعل هذا السبب هو الذي جعل محمود درويش في دائرة الضوء عندنا أكثر من غيره من شعراء الوطن المحتل، لأن موضوعه وهو «الوطن» قد أمدّه بغنائية عالية، عالمية، بينما بدا إزاءها القاسم في همومه «القومية» كأنه يابس الحنجرة أحياناً، أو كأنه يريد أن يفكر أكثر مما يريد أن يقول شعراً. والذي يبدو لنا هنا، من قراءة الشاعرين جيداً أن كُلاً منهما قد استعار لنفسه شخصية «تيلمياك» الإغريقي في جانب من جوانب نفسه المعذبة المضطربة، فمحمود درويش هو تيلمياك المتشبث حتى أسنانه بأمه «بنيلوب» التي يجب أن تعني الوطن، أي فلسطين، بينما سميح القاسم هو تيلمياك الآخر، المتسكع عند كل الموانئ في انتظار عودة أبيه «بوليسير» الذي يجب أن يعني بدوره القوم أي الأمة، ويلاحظ من يقرأ الشاعرين جيداً أن كلاً منهما قد أقام بنيانه الشعري كاملاً على هذا الأساس أو ذاك. لكن عندما قرأت «بانتظار طائر الرعد» وجدت القاسم قد لحق بدرويش في غنائيته هذه المرة على نحو جديد تشعرنا أن الطراوة قد عادت إلى حنجرته. التقيت بسميح القاسم لأول مرة في لندن ليشارك بمهرجان الشعر العربي الذي أطلقه آنذاك رياض الريس، وكان في ظنه أن يقيمه كل عام، وقد حصلت «هيصة» أن القاسم منعه الأمن البريطاني دخول بريطانيا، فهو معروف عنه أنه شيوعي، وكانت الشيوعية وقتذاك لدى الغرب كفراً. توقف المهرجان لنحو ساعة والاتصالات من كل جانب إلى أن سمحوا له دخول بريطانيا لمدة أسبوع، فقط، وهذا ما كان. في إحدى الجلسات التي جمعتنا معاً، دخل الشاعر بلند الحيدري، فأشار القاسم، ولم يكن يعرفني بعد، أن أترك كرسيّ لبلند، فحدقت به مزوراً بين حاجبي ولم أترك مكاني، إلا أن أحد الضيوف ترك مكانه للشاعر العراقي. في اليوم الثاني وعلى حفل العشاء التكريمي اتجه نحوي معتذراً، فقلت له هذا عدم لياقة منك، أتعرفني من أنا، قال: لا.. قلت حتى لو كنت لا تعرفني فمن عدم اللياقة من شخص يجلس على كرسي أن يترك مكانه لآخر.. إحمر وجهه وارتبك، قلت له: أنا ياسين رفاعية، فشده وعانقني معتذراً، ومنذ ذلك اليوم أصبحنا أصدقاء، خاصة لما عرف أنني الذي اهتممت ب «بانتظار طائر الرعد» وكتبتُ لها مقدمة. التقيت به بعد ذلك مراراً في القاهرة، في مؤتمرات أدبية أو مهرجانات شعر، فلا يكاد يتركني، وذات مرة أقاموا لنا نزهة على مركب في النيل، وكان الهواء شديداً فطارت قبعتي وسقطت في النهر. لم أعبأ، لكنه في اليوم التالي اشترى لي قبعة وأهداني إياها. وعلى ذكر شعراء المقاومة، فيما كتب في الصحافة الآن غياب اسم شاعر المقاومة الأول معين بسيسو الذي توفي قبل هؤلاء جميعاً في غرفة في أحد فنادق لندن، وأُشيع وقتذاك أن للمخابرات الإسرائيلية يد في موته، بعد ذلك رفضت إسرائيل السماح لأسرته أن يوارى الثرى في غزة، حيث ولد ونشأ فيها وانتمى هو الآخر إلى الحزب الشيوعي، فتم مواراته الثرى في القاهرة. في عام 56 عندما هاجم كل من فرنسا وإسرائيل صحراء سيناء وقناة السويس، صارت الإذاعات تقدم أناشيد حماسية من بينها نشيد «الله أكبر» لكن نشيداً آخر لفت نظر الرئيس عبدالناصر الذي يقول في مطلعه: «أنا إن سقطتُ فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح واحمل سلاحي، لا يخفك دمي يسيل من السلاح» فسأل: من هو هذا الشاعر؟ فقالوا له: إنه معين بسيسو، وهو الآن في السجن مع مجموعة من الشيوعيين فأمر بإطلاق سراحه فوراً. وهناك طرفة عن بسيسو أن فلاحة مصرية دقت باب بيت مُعين حيث كان يقيم في ضاحية من ضواحي القاهرة، وعندما فتح معين الباب وجد تلك المرأة تحمل بيديها ديكاً وسكيناً وطلبت منه أن يذبح لها الديك فأغلق الباب بوجهها غاضباً، عادت وطرقت مجدداً ففتحت الباب زوجة معين «مليكة» فقالت لها الفلاحة: كل ما طلبت منه أن يذبح الديك.. أليس هو شاعر المقاومة وليس قادراً أن يذبح ديكاً، فطيبت مليكة بخاطرها وأدخلتها البيت وذبحت لها الديك.. أقول هنا، إن معين بسيسو كان الأول في شعر المقاومة ولكن لم يعط حقه كما يجب. رحم الله الجميع وأسكنهم الجنة. مختارات من «بانتظار طائر الرعد» طائر الرعد «هذا زمان الشّد يا زيم هذا زمان الشّد والإرخاء هذا زمان السد والتأميم والتصنيع والرخاء والموت بالألوف في سيناء هذا زمان الصبر في الألم لا بأس يا زيم.. لا بأس.. إني أنشق الرياح وطائر الرعد على القمم».. تجاوز «عندما تهدر العاصفة وأنا عبرها بيرقٌ في يد المارد أغلق الباب في وجه أوجاعك السالفة أغلق الباب يا ولدي واغفري كل ما كان يا أم واستبدلي الأمس بالعاطفة العينان السوداوان البارقتان والفم الملموم، وأسنانها البيضاء إذا حكت أنها امرأة بكل ما تعني الكلمة، لو خلعت الزي القروي وارتدت ملابس المدينة لدوّخت الرجال، ولو اعتنى بها صالون تجميل لخرجت ملكة جمال بكل المواصفات. عندما سكتت عن الكلام تنتظر مني أن أقول لها شيئاً فظللت صامتاً.. اقتربت مني أكثر وكادت تضمني، قالت: هل آتيك بالحليب والعسل؛ هززت رأسي بالإيجاب، ذهبت دقائق وعادت تحمل الحليب والعسل وقلت هامسة بالشفاء والعافية إن شاء الله.