قبل أن ينتقل الزميل عبد الله باجبير من الزاوية المقابلة إلى الشقيقة «الاقتصادية» ويبدأ أنيس منصور الإطلالة من «الشرق الأوسط»، إضافة إلى إطلالة يومية في «الأهرام»، كان يجمعنا تحفّظ شخصي متبادل. اختصرت معرفتي به في لقاءات عابرة في المؤتمرات والعواصم. ولم يتعد أحدها التحيات المؤدبة. وخُيّل إليّ أنه ازداد نفورا مني عندما أُعطيت في بعض المؤتمرات اهتماما أكثر منه. وقد أزعجني ذلك أكثر بكثير مما أزعجه، لعدة أسباب، أهمها أن كل مصري يعاني من عقدة فوقية، وكل لبناني يعاني أنه من بلد صغير، ضائع بين العرب، خصوصا الصحافيين والفنانين وكل من كانت له علاقة بالأضواء. حتى كبار الصحافيين اللبنانيين، أو أكبرهما وأكثرهما شهرة، غسان تويني وسعيد فريحة، كانا يشعران بعقدة البلد الصغير والصحافة الكبرى. ولم يخفف من ذلك أبدا أن اللبنانيين واللبنانيات أسسوا وبنوا أهم صحيفة يومية ومجلة أسبوعية ومجلة شهرية: «الأهرام» و«روز اليوسف» و«الهلال». بشارة تقلا وفاطمة اليوسف وجرجي زيدان. ولا تنسَ أول مجلة علمية «المقتطف» التي أنشأها يعقوب صروف ورفيقه الدكتور فارس نمر. لكن من هم هؤلاء جميعا لولا مصر، لولا الإسكندرية زينة المتوسط، وبورسعيد المزدهرة، والقاهرة التي تُطرب العالم العربي. صحيح أن بائع الأسطوانات سرعة 75 هو جورج بيضا صاحب شركة بيضافون، لكن أصحاب الأصوات هم محمد عبد الوهاب وسيد درويش وصالح عبد الحي وأم كلثوم. ماذا كان يمكن أن تقدم بيروت يومها من دون الملهى المصري؟ لم تكن سوى «كومبارس» باللهجة اللبنانية العَكرة التي تضحك الناس عندما يتحدثها بشارة واكيم الصيدلي السابق، أو يرطن بها عبد السلام النابلسي الذي لم يكن مصريا ولا نابلسيا، بل ابن شيخ دين من عكار. اعتلوا أم لم، باشاوات أم خدما، ظل اللبنانيون «شوام» شطارا، اقتحمت نساؤهم المهن التي كانت تتحفظ عليها المرأة المصرية كالمسرح والسينما وكلام الجرانيل. ماري كويني وبديعة مصابني، ولاحقا، ابنة 13 عاما سوف تعرف باسم صباح. أو الشحرورة. إلى اللقاء..