يكتب بعض أساتذة الجامعة من كل جامعة في المملكة عنها وإليها، ولا يلتفت في الغالب إلى كثير مما يقولون، وإن حدث وكان هناك ردا فقد حوى تساؤلات أكثر من إجابات شافية. فإما أن الهدف هو الرد بأي شكل، مفاده أن ما يكتب وكتب هو لأغراض شخصية، أو أن الكاتب من رواد النقد والاعتراض، ...ومن هذه الشاكلة. أو يكون الخيار الثاني وهو اعتماد خيار عدم الرد، ومفاده لا يقل حيره عن الأول. أما عندما يكتب "ديفيد" وليس "حمد" ولا "عطية"، فيأتي الرد لكنه -ومع ذلك- يكون عاما مفاده مفاد الرد الأول! ما الذي تريده أي جامعة في المملكة؟ واضح أنه التميز في كل شيء، وهي رؤية لا لبس فيها ولا غموض. لكن كيف؟ "كيف" هذه، أدخلتنا في جدل داخل الجامعات وخارجها. بالطبع جهود أي جامعة تجاه استقطاب العلماء المشهورين أمر واضح ومحمود، ولن يأتي عالم متميز إلينا لسواد أعيننا، لكن أيضا، كيف؟ كيف نحقق تميز بحثي إذا قسّمنا البحث العلمي في أكثر من جهة؟ كيف نجرد عمادة البحث العلمي من مهامها، فبقي أكثر اهتمامها في أمور تقليدية؟ فأين دور مراكز البحوث التي نامت أكثر، بل تلحّف القائمون عليها وغطوا في سبات عميق، وقد لا ألومها لأن كل القضية مرتهنة بطقوس وزارة المالية .."السلفة"، فأصبح هاجسنا الفواتير وليس البحث؟! أين عمداء الكليات من تطوير البحث العلمي تحت مظلة واحدة؟ ماذا وفرت الجامعة لمراكز البحوث غير كثرة الاشتراطات وقلة الدعم المالي والفني؟ أين تطوير المعامل التي بدونها لم يصل عالم متميز في العالم إلى ما وصل إليه؟ والأعجب إننا نسعى أن نضع جائزة وكأنها مكيفة لــ "ديفيد"؟! وكم ديفيد أو "ديفدة" عندنا ..لكن ..زامر الحي لا يطرب! كيف نطور المعامل وعندما نطلب موظف مختص مؤهل تصبح معاملته وكأنها قضية أممية؟! أين الدعم المالي والفني في الكليات، أين المسائلة بعد ذلك حسب الإنجاز؟ أين إنجاز العمداء؟ أين الإنجاز الحقيقي -بشرط أن يعطوا الصلاحيات الحقيقية اللازمة؟ أين دور رؤساء الأقسام؟ اين إنجازهم؟ لم لا يسألهم أحد عن الإنجاز؟ أين البيئة التي يجب أن تتوفر لهم بما فيها توفير البيئة المؤسسية الفاعلة لجعل القسم الأكاديمي عندنا مثله مثل أي قسم أكاديمي في الجامعات المتقدمة التي نريد أن نلتحق بركبها -لا أقل ولا أكثر؟ لماذا لم ينظر إلى الدور الحقيقي للجامعة في توفير هذه البيئة الأساسية –الأقسام- بأفضل الطرائق؟ لماذا لم نبدأ من القاعدة ونصبر قليلا لنجني الثمرة؟ لماذا نستعجل في أمور نعتقد أنها سترفعنا عاليا ونحن نعرف أن المخرج الحقيقي من أي جامعة هو الخريج؟ لماذا لا يدافع عمداء الكليات عن هذه الأبجديات؟ لماذا يسكتوا عن هذه الحقائق؟ لماذا لا يرون ولا يسمعون؟ ولماذا يجامل بعض المسؤولين في الجامعة بعض المسؤولين -وفي الجامعة- على حساب الوطن؟ لماذا لا نجتمع كل فصل أو في السنة نراجع حساباتنا بدلا من أن نحاسب جميعا؟ لماذا لا يزور العميد الأقسام؟ لماذا ومرة أخرى وعاشرة، لا ندعم معامل كل قسم ونستقطب أفضل من يشغلها ونعتذر لوزارة الخدمة المدنية؟ لماذا لا نطبق الجودة الإدارية في القسم؟ نعم القسم ثم القسم ثم القسم؛ لأنه بصلاح القسم تصلح كل الأمور. فلماذا تشتت الجهود؟ وأخيرا لماذا، يرى قلة أن هم من لديهم الرؤية الصحيحة والباقي خطأ مطلق؟ لا أعلم، وكل ما أعلمه إنني برتبة لو كنت في قطاع آخر لوجدت صلاحيات تفوق ما لدي، وكل ما أطلبه لكي أصبح عالما متميزا: توفير البيئة التي تساعدني في تطوير نفسي وجامعتي ووطني بجهدي وعرقي في معاملي ومساعدي من الباحثين. وأنا أكتب هذا المقال، لدي مذكرة كرسي بحثي، ومذكرة مركز تقني جغرافي، جاهزة، لم أتقدم بها لكثرة ما سمعت من عراقيل، ولدي –مثل ما لدى غيري-أفكار بحثية عديدة مكتوبة تحتاج إلى دعم كبير، فلا أريد سيارة خاصة، ولا مكتب بسكرتير، أريد معامل، أريد مساعد باحث، وصلاحيات إدارية تساعدني أن أخصص فصل دراسي للبحث دون حرمان من شيء، وأريد سكرتارية فاعلة، وأريد تقليص "شاحانات" المعاملات الورقية المرهقة للحصول على دعم بحثي، وأريد تشجيعا على الإنجاز، وأريد فوق ذلك صبرا على الإنجاز. لا نريد دعما ماليا بثلاثين ألف ريال في آخر لحظة لأن عمادة البحث في جامعة ما ربما وجدت فائضا وتريد بهذه الثلاثين أن يعمل بحث في الطاقة الشمسية مثلا –هذا حصل في وقت ما. وعلى قول المثل المصري: "يا خبر أبيض" –طاقة شمسية حتة واحدة!" أنا أعلم أنها صرخة مباشرة رغم أنها مختصرة، لكن تحمل أسئلة مقلقة، صريحة ، شفافة، وهي في فم كل أستاذ، وأقلق ما فيها، إنها لو صدرت من جهة خارج الجامعة فقد تلقى ربما اهتماما أكبر. وأخيرا، ليس لدي اعتراض أبدا على نشاط الجامعة تجاه البحث والنشر والرؤية شريطة أن تكون معاملنا مجهزة. إنني أتطلع إلى اليوم الذي تبدأ الجامعات بغربلة كثير من القررات، وكثير من القيادات الوسطى، وربما طلب وضعية خاصة لكل جامعة. وفوق ذلك كله، أن يكون هناك هيئة أو مجلس اعتماد وتقويم للتعليم العالي منفصل عن وزارة التلعيم العالي، ليس الهدف الأساس منه الحكم على جودة الجامعات بل مساعدتها في ذلك. وكلنا نعرف وهنا اذكره: نحتاج إلى إعادة النظر بجدية ليس فقط في طريقة الإدارة المركزية داخل الجامعة، بل علاقة الجامعات مع كل من وزارة المالية التي كبلتنا ماليا ووزارة التعليم العالي التي لا يخرج عضو هيئة تدريس للمؤتمرات إلا بموافقتها -رغم خوفي أن ترد وزارة المالية بالقول: ومن منعكم من تحديد احتياجاتكم، وهي كلمة حق أريد بها باطل؟! هذا والله من وراء القصد،،