البيروقراطية ليست دائما سيئة بل إن وجودها يعني وجود النظام والتنظيم، كما أن المرونة المفتوحة قد تفتح الباب لممارسات غير نظامية. النظام مطلوب والعدالة مطلوبة والاجراءات الادارية عنصر أساسي في أي عمل يمكن تطويرها واختصارها وهذا ما تحقق في عدد من أجهزة الخدمات حين استخدمت التقنية الحديثة. ويمكن القول إن الخطوات المتبعة في الخدمة الالكترونية يمكن أن يطلق عليها (بيروقراطية) وبهذا المنطق فان البيروقراطية سوف تستمر ولو بالاسم فقط. في التطبيق حالات من البيروقراطية غير المنطقية مثل أن يطلب من المواطن الذي يحمل بطاقة الهوية احضار اثبات من العمدة بأنه أحد سكان الحي فيطلب منه العمدة أن يحضر من امام المسجد ما يثبت أنه يصلي، وكل ذلك من أجل أن يتمكن من الحصول على خدمة وجدت أصلا للجميع. البيروقراطية لم توجد من أجل تأخير انجاز العمل وإنما من أجل التنظيم وتطبيق النظام على الجميع بنفس المعايير ومن خلال اجراءات موحدة. وما يحصل من تفاوت في الأداء بين جهاز وآخر يرجع الى الاختلاف في تطبيق الاجراءات، ومدى القدرة على استخدام المرونة دون الاخلال بالنظام. مشكلتنا ليست مع المبدأ وانما مع التطبيق. واليكم هذا المثال الخيالي: اذا أراد مراجع مقابلة مسؤول فسوف يتقبل أن يسأله السكرتير عن اسمه والغرض من المقابلة، ولكن ماذا لو طلب منه شهادة من (ساهر) مثلا أو بطاقة العائلة أو شهادة حسن سيرة وسلوك. عندها سنقول: هذه بيروقراطية متطرفة. تلك مبالغة للتذكير بأن بطاقة الهوية يجب أن تكون كافية وأن تتضمن كافة المعلومات، والتذكير بأن بعض الطلبات الورقية لم تعد ضرورية وانما هي متوارثة وتحولت الى عادات ادارية تقاوم التغيير. وهنا لا بد أن نشير إلى أن البيروقراطية ارتبطت في الذهن بالتعقيدات الادارية لكنها أصبحت شماعة للفشل الاداري على المستوى العربي، فكل مشروع يتأخر أو يفشل أو ينفذ بطريقة غير مرضية يتم اسقاط الأسباب على البيروقراطية دون تحديد دقيق لهذه الأسباب. يكفي أن تقول بيروقراطية ولن يلومك أحد. إن البيروقراطية كمبدأ ليست هي المشكلة ولكن المشكلة في التطبيق ولذلك اذا أردنا تشخيص الواقع الاداري فيفضل أن نكون أكثر تحديدا في وصف الحالة الادارية فبدلا من القول إن المشاريع تتأخر بسبب البيروقراطية يمكن أن نحدد ونقول مثلا عدم وجود صلاحيات أو نقص في الكفاءات أو عدم كفاية الميزانية أو غيرها من الأسباب. أما الهروب من المشكلة الى ملجأ البيروقراطية في كل الظروف فهذا نمط اداري يميل الى المبررات الجاهزة والاستسلام وعدم القدرة على تقديم المبادرات والحلول.