×
محافظة حائل

عام / أمير منطقة حائل يستقبل نائب وزير الصحة للشؤون الصحية

صورة الخبر

ثارت مؤخرا ضجة كبيرة حول جواز اكتتاب البنك الأهلي التجاري، واختلفت الآراء في جواز الاكتتاب من عدمه في وقت بدأ فيه فعلا الطرح الأولى للبنك ولا مجال للتراجع فيه. والاختلاف في مثل هذه الأمور قد يكون إيجابيا، وإذا كنا نؤمن بالحوار وأسسنا مركزا للحوار، فهذه ساعة الحوار. بدلاً من ذلك توجه البعض بالسؤال مباشرة لهيئة كبار العلماء حول جواز الاكتتاب في أسهم البنوك التي تتعامل بالربا عموما؟ هكذا! أي أن السؤال تضمن الإجابة، فكانت الإجابة بعدم جواز ذلك، وهي الإجابة المنطقية الشرعية لسؤال بهذه الصياغة، فالفتوى أتت عامة ولم تخص البنك الأهلي الذي هو موضوع السؤال، ففهمها البعض بأنها تحريم في الاكتتاب في أسهم البنك، رغم انها ربما قصدت ذلك. ثم ظهر رئيس الهيئة الشرعية للبنك في برنامج مطول ووضح أن حرمة الاكتتاب قد لا تكون قطعية وأنها تدخل في باب «المشتبهات»، مستنداً على الحديث النبوي الشريف: «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس» أي أن الاكتتاب في هذا البنك من الأمور التي لا يمكن الجزم قطعيا بجوازها أو تحريمها لأن جزءا كبيرا من تعاملات البنك، 70 % شرعية، والنية لدى البنك متجهة لأسلمة الـ 30 % الباقية، وكان واضحاً أن هناك حرجا واضحا في مسألة إباحة الاكتتاب، فلو كان الاكتتاب في الجزء الإسلامي من البنك لكان ذلك متوافقا مع الشرع، ولكنه لو دخل في 30 % الباقية التي لم تطبق عليها معايير المصرفية الإسلامية فهو غير ذلك، على الأقل بهذا الشكل فهم البعض كلام الشيخ. وأتذكر أن بعض البنوك كانت قبل عقود تقدم الخيار للعملاء في فتح حساباتهم في الجزء الإسلامي أو الجزء غير الإسلامي في البنك ذاته، وكل ما في الأمر لوحة وضعت على شباكين للإيداع في البنك كتب عليها: حساب إسلامي. بينما الودائع تذهب للخزنة ذاتها وربما تحسب بشكل مختلف فيما بعد؟ فهذا علمه عند الله. ولكن البنك صاحب الخيار له تعاملات بنكية أقل ما يقال عنها أنها «مشتبهات» لو استعرنا وصف فضيلة الشيخ ومنها ما يسمى بتضارب المصالح في الممارسات الأخرى لهذا البنك مثل تضارب المصالح مثلا، كأن يكون من يملك البنك يملك شركات تجارية أخرى يقرضها من البنك ربما بشروط وضمانات ميسرة «متشابهة» أيضا. لكن ذلك لا يهم إذا لم يكن هناك نص شرعي قاطع يحرم ذلك حتى ولو كان الضرر أكبر والخطورة أعلى على المودعين من عدم اتباع اسلوب «التورق». ليس جديدا أن البنوك هي عصب الاقتصاد الحديث، وأن من يملكها هم أكبر أثرياء العالم في كل مكان، وأن الفوائد مصدر دخلها الرئيس. ولا يحب البنوك عادة إلا ملاكها والعاملين فيها والمقترضين منها، لأنها أبخل المؤسسات الاجتماعية وأكثر طمعا وأقلها رحمة بمن تتعامل معه. و الأمر ليس جديدا فمن يقرأ رواية شكسبير «تاجر البندقية» التي تدور أحداثها في القرن السادس عشر يجدها تدور حول شخصية «شايلوك» المرابي اليهودي الذي صورته المسرحية على أنه طماع بشع حتى أنه أقرض منافسه، الذي يقدم قروضا بفوائد أقل، بضمانة رطل من لحمة إذا فشل عن السداد ليضمن قتله والخلاص منه. ويقال إن اليهود هم من اخترع البنوك حيث إن اليهودية تبيح الربا وغير الربا خاصة إذا ما كان المتضرر المحتمل غير يهودي، ومارس اليهود الربا في كل الثقافات لأنهم كانوا يحرصون أن تكون أموالهم منقولة ولا يربطونها في أرض أو أصول ثابتة من الحرص عليها والاستعداد لنقلها عند الضرورة. وربما كان اليهود هم من يقرضون المسلمين المحتاجين في أيام الرسول بفوائد ربوية ضخمة جدا، ولذا نزل تحريمها في الإسلام، فالإسلام لم يحرم شيئا إلا لحكمة ما، و لأن به ضرر بالمسلم وغير المسلم. وكان الربا أيام الرسول بشعا جدا و يستغل المحتاجين بشكل غير مقبول، فالاقراض كان مقابل محاصيل البساتين أو التجارة، قروض مخاطرها عالية جدا، وكانت الفوائد تتجاوز قيمة القرض أحيانا. وكان المقرضون أفرادًا وليسوا مؤسسات. فلو عجز المقترض عن السداد تضاعف عليه المبلغ كاملاً في نهاية الحول، عام من تاريخ القرض، ولو اتضح عدم قدرته على السداد تملك الدائن المدين كعبد له، ولو توفي لحق الدين ذريته و تملكهم أيضا، ولذا كان تحريم الربا واضحاً وصريحًا ومغلظا. أما بنوك اليوم فهي مؤسسات تجمع الأموال من أفراد المجتمع بهدف استثمارها، أي تتيح فرصة الاستثمار لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة. والمال يقرض لمشاريع بعضها مخاطره متدنية، وفي كثير من الأحول يكون حساب المستثمر في البنك ذاته، أي أن ما يسمى «بالتورق» يتم بشكل آلي ولا داعي للنص عليه، وقد تدخل تعاملات البنك هنا ضمن «المشتبهات». كما أن نسبة الفوائد على القروض يقررها «ولي أمر» البنوك وهو في حالة المملكة «مؤسسة النقد» وليس البنك المقرض، و تحدد وفقا لأمور نقدية الهدف منها مصلحة المجتمع ككل. ولا جدل أن النص الإسلامي في تحريم الربا واضح وقطعي، ولكن يبقى أمر تفسير ما يندرج تحت اسم الربا من عدمه؟ وهل ما قصد بالربا هو ما مورس زمن الرسول؟ وهل يختلف اقراض اليوم عن اقراض الأمس؟ فإذا كانت الحكمة من تحريم الربا حماية المقترض الضعيف فالأمر هنا لا يختلف إذا ما كان الاقتراض مباشرة أم من خلال أمور شكلية يتم الالتفاف بها حول عدم شرعيته فيما يسمى بالتورق، فقرض التورق هو القرض البنكي ذاته من حيث المضمون ويختلف عنه في الشكل فقط. و للمعلومية فنسبة فوائد البنوك الإسلامية، أو ما يمكن تسميتها «البنوك التورقية»، لأن البنوك لا دين لها ولا مذهب لأنها مؤسسات مالية صماء هدفها الربح. نسبة الفوائد في هذه البنوك تزيد عن البنوك غير التورقية، لأنهم يأخذون مقابل لإتمام إجراءات التورق مضاف لها نسبة الفوائد التي يقررها البنك المركزي إضافة لفائدة البنك. فهناك عاملان مهمان يدخلان في تفسير النصوص: الأول هو سياق حال التفسير، والثاني شمولية الألفاظ ومدى انطباقهاعلى بعض المرجعيات. وهما ما يحددان في حالتنا انطباق حالة الربا على بنوك اليوم من عدمها. ومن يقول إن البنوك تضمن إعادة المال بفوائد وبلا مخاطر فهو لا يدرك أن هناك مخاطر ولو غير منظورة في إيداع المال في البنوك، والمودعون معرضون دائما لخسارة أموالهم، كما حصل في بنوك عديدة منها ما حصل في بنكي «جمال» و»الاعتماد» في لبنان مثلا، وكذلك ما حصل لبنوك عالمية ضخمة بحجم «ليمان بروذرز» 2007م، حيث ذهبت الكثير من الأصول أدراج الرياح. فالبنوك كغيرها من المؤسسات معرضة للمخاطر رغم ضمانة البنوك المركزية لها، واشتراطات بازل الأخيرة تحاول ضمان الحد الأدنى من حقوق الودائع. ولذا قد يجادل أحدهم بأن البنوك اليوم تختلف من حيث الشكل والمضمون عن المرابين الأفراد الذي نزل بسببهم التحريم أيام الرسول من حيث كونها مؤسسات شرعتها الجهة المسئولة عن بيت مال المسلمين لضرورة اقتصادية. و من قبيل الصدفة أن البنك الأهلي التجاري، مثار الجدل، هو أول بنك انشئ في المملكة ومن هنا أتت تسميته «بالأهلي»، وقد كان تأسيسه ضرورة وليس ترفا. فقد كانت هناك حاجة ماسة لبنك يتم التعامل من خلاله مع الجهات الخارجية و تحفظ به أموال الدولة المتحصلة من دخل النفط لتدار بشكل شفاف، وقد انشأه الملك فيصل رحمه الله كنوع من الإصلاح المالي الداخلي، وكان حجر أساس لبناء الدولة السعودية الحديثة. والطرح الأولي لأسهمه فرضته ضرورة تغطية بعض صناديق الدولة لالتزامات قادمة لها. ومادام الامر من «المشتبهات»، فقد يجد المواطن لنفسه مبرراً للاكتتاب.