×
محافظة المنطقة الشرقية

أمير منطقة مكة المكرمة يشكر وزارة الصحة

صورة الخبر

من يعيش مغترباً ولديه اهتمام واسع بتطورات الأحداث في الشرق الأوسط، يتابع الصورة كاملة، يقرأ ويتابع مختلف وجهات النظر، غربية وشرقية، لا يُقيّم الأمور بنظرة أحادية؛ لأنه يستطيع أن يحصل وبسرعة ومساحة مفتوحة على التقارير والتحليلات، وعندما يعود لمتابعة منطقة الأحداث ومكمن الخطورة، يَلفت انتباهه بطء الحركة والتراخي أو انصراف الاهتمام إلى قضايا فرعية ثانوية، وكأن ما يحيط بهم من أحداث وقضايا تحدق بمستقبلهم قد أوكلوها إلى غيرهم وهم قابعون على مقاعد الانتظار. هذا ما ذكره مغترب عربي. أوقدني المغترب بنار السؤال: هل أنتم في دول الخليج خائفون؟ قلت له: أكذب عليك إذا قلت لك أنه لم يصبنا قلق تاريخي. وماذا تقصد بالقلق التاريخي؟ القلق التاريخي، يا صديقي المغترب، أن شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ظلت مستجيبة ومطمئنة طوال قرن من الزمان لأوضاع فرضيات الأمر الواقع التي جنبتها زلازل ومحن مرت بها المنطقة العربية وأحاطت بها، اعتادت عليها وربما مثلت لها إدماناً لدائرة استقرار ونجاة. ولكن الأحداث والمتغيرات والطموحات تتسارع من حولكم، ولم يعد الماضي كالحاضر؟ أوافقك الرأي، وقلت لك: إننا وصلنا إلى مرحلة إدمان واقع تاريخي، والجميع حكاماً ومحكومين في دول مجلس التعاون يخشون التغيير والتطوير والتحديث، وكلما تراكمت الأعباء زادت المخاوف من تبعات النتائج. التغيير سهل إذا تحصن بطاقة ورؤية إيجابية متدرجة تنسجم مع طموحات التفكير ومؤشرات القياس العالمية. ألهذا الحد استكانت واستقرت أوضاع الأمر الواقع؟ لن أكون المقيِّم الأوحد، ولكني في ظل التعقيدات التي أصابت المنطقة العربية بعد ثورات «الربيع العربي»، وما آلت إليه من نتائج، أرى أننا في دول الخليج بحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لسرعة المبادرة بعقل راجح مستنير -وليس المنفعل- للتطوير والتحديث المتدرج الذي ينسجم مع طموحات وتطلعات تغيّر الفكر والإدارة والمشاركة، فلكل مرحلة ولكل زمان دولة ورجال كما يقال، ومن يعيش تفاصيل حسن الإدارة والقيادة في الغرب والشرق، سيقذف تفكيره أي مستوطنة أمر واقع إلا إذا كان يرى فقط في دائرة مصالحه الشخصية من دون أن يعير أي اهتمام لما هو أسمى وأكثر أهمية للمستقبل. هل شعوب دول الخليج -كما يطرح في وسائل الإعلام الغربية- تعيش مرحلة تناطح بين تيارين أو جيلين، محافظ وليبرالي؟ ربما تصاب بالدهشة، عندما أقول لك إنهم جميعاً متفقون، ومختلفون في الوقت نفسه، متفقون على الحفاظ على مبادئ التطوير ومحاربة الفساد ومختلفون على آليات التطبيق. أسمع هذه الإجابة كثيراً، ولكن أحتاج إلى مزيد من التفاصيل؟ الشعوب الخليجية كبقية المجتمعات، فيها المحافظون (وهم الغالبية الساحقة)، والليبراليون والتقدميون والرأسماليون وأصحاب المصالح الخاصة والفاسدون، والتحدي الذي تواجهه أي دولة يكمن في قدرتها على إدارة هذا النسيج بعقلية منفتحة على الجميع، مع وضوح وحسم أهداف العدالة الاجتماعية العميقة، وكتم أنفاس الفساد. عندما يشعر الناس بحسن ودقة إدارة موارد الدولة ويشاركون بفاعلية في توجيهها ومراقبتها، وتتوافر لهم مساحة واسعة من حرية الرأي من دون مساس بالمصالح القومية العليا، سيتدافع الجميع للعمل والإنتاج باطمئنان من دون خوف أو قلق، وسيكونون مستعدين لتقديم التضحيات مهما بلغت شدتها وقسوتها. على رغم تطور الأحداث وخطورتها، إلا أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تمتنع عن الارتباط فى اتحاد قوي، يطمئن شعوب المنطقة، ويبعث برسالة واضحة لمن يخطط للعبث بأمنها واستقرارها؟ هذه، يا صديقي المغترب، من مُحيّرات ومحبطات الزمن الخليجي. الأخطار المحيطة بينة وتتسارع بشكل مذهل، والتحديات صعبة، والشعوب قلقة، والمستغرب أن هناك دولاً في مجلس التعاون لا تزال عائمة بين تردد وحسابات، على رغم أنها تعترف بصغر حجمها وقلة حيلتها في الدفاع والصمود لو حدث ما هو أبعد من التهديد. المؤكد أن دول مجلس التعاون استطاعت خلال قرن مضى تجاوز صعوبات وتحديات جمة، ولكن المتغيرات الجيوسياسية حولها تحتِّم عليها تحويل تطلعات الشعوب لواقع يضمن الأمن والاستقرار المستدام. هل أنتم خائفون من «داعش» كما يتردد في الأوساط الخليجية؟ الإجابة، يا صديقي المغترب، تأتي من رحم ركود وتردد تاريخي جر المنطقة العربية برمتها إلى هذه الأوضاع المتردية، القلق والخوف لا يأتي من مجموعات تظهر فجأة تلوح بأعلام سوداء على مركبات بدائية، من دون تخطيط ومقومات دولة مؤسسية. الرعب، يا صديقي الذي أقلق شعوب الخليج، أتى من دول كانت تظنها دولاً، وإذا بها تتداعى كأوراق الأشجار في فصل الخريف، «داعش» و«الحوثيون»، قدموا درساً تاريخياً لمن يريد أن يعتبر ويستفيد؛ عندما تكون الدولة ممزقة الولاءات، ومصالحها الوطنية تدار من غرف السفراء، أو مشيخة آيديولوجية، ويبرز فيها أبطال الفساد والمحسوبية وتجار السلاح، فإنها ستكون في أولوية ترتيب الدول الآيلة للسقوط، وهذا ما حدث للعراق واليمن، لم يكن الداعشيون والحوثيون يملكون القوة والقدرة على الإطاحة بدول لو لم تكن فاشلة. * كاتب سعودي. alyemniat@