في كل مرة أودع فيها واحداً من زملاء البعثات الطبية الأولى إلى ألمانيا، ينقبض قلبي ويداهمني حزن مختلف، لا أعرفه عند وفايات أعزاء آخرين. الإحساس الذي يغمرني عندئذ يشبه خفوت كمية الضوء عندما تنطفئ شمعة أخرى من مجموعة شموع تضيء المكان، فيتداخل الظلام الوافد بالمتبقي من النور المنبعث من الشموع الباقية. ودعنا قبل أيام واحداً من أنبل زملاء البعثات الطبية الألمانية، هو الدكتور أبو أحمد محمد المعجل، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يتقبله أحسن القبول. قبل ذلك ودعنا من الزملاء طه زمزمي وعدنان جمجوم وعبدالعزيز الزامل وصالح الخويطر وطاهر صباغ وعبدالله المحارب وعبدالكريم الأصقه ومحمود المرواني وإبراهيم المفلح، وآخرين غيرهم لم تعد الذاكرة المتغضنة تسعفني بأسمائهم بعد أن هرمت وداهمتها تجاعيد الشيخوخة. كنت في نفس الدفعة الطلابية مع المرحوم الدكتور محمد المعجل للدراسة في ألمانيا الغربية، أيام ازدهار البعثات الخارجية برعاية الملك الصالح سعود بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه-، وقد كان معنا وسبقنا وجاء من بعدنا الكثير من الزملاء الآخرين. بعد الحصول على الشهادة التأسيسية للطب (البكالوريوس) واجتياز الامتياز التطبيقي، عملت مع زملاء أعزاء كثيرين، كان أحدهم المرحوم الدكتور المعجل، في مستشفى الملك عبدالعزيز (الأمير طلال سابقاً). في تلك الأيام كانت الظروف المعيشية والطبية شحيحة وصعبة، لكنها مليئة بالحماس والتفاؤل. بعد أن أكمل أكثرنا نصف دينه كان لنا عودة ثانية إلى ألمانيا للحصول على شهادات التخصص الاستشارية. كان المرحوم الدكتور أبو أحمد متميزاًً في كافة مراحل حياته، في تخصصه الطبي الباطني وبمهارات خاصة في استعمال المناظير الطبية، مثلما أصبح متميزا ً في عمله الإداري كمدير للمستشفى المركزي ثم مديراًً عاماً للشؤون الصحية في منطقة الرياض، وكان مثالاًً مشرفاً للالتزام الأخلاقي والمهني حتى توفاه الله. على مستوى الإشراق ولطف المعشر وخفة الروح يقل أن كان له مثيل. أقول على ضوء الاستقراء. لا مكابراً ولا متمايزاًً، إن تلك الباقات القديمة من خريجي البعثات الطبية الألمانية قدمت المساهمات الأبكر والأهم في التحديث الطبي في السعودية ممارسةًً وتعاملاًً ونماذج. الآن قد انطفأت مجموعات من تلك الشموع، رحم الله أصحابها وغفر لهم، وبقيت شموع ما زالت تضيء، أسأل الله لأصحابها طول العمر واللطف بهم من عجز الشيخوخة ووحشة الفراغ الناتج عن مغادرة من سبقوهم من الزملاء الأعزاء إلى الدار الآخرة. وداعاًً أيها الزميل والصديق الودود محمد المعجل أبو أحمد، وإلى رحمة الله ورضوانه إن شاء الله.