يشتكي بعضهم من مخاوف ابنه التي ظهرت فجأة، ويستغرب لماذا يخاف؟. وعندما نغوص إلى أعماق هذا الطفل نجد كثيراً من عدم احترام طفولته والقصور في مفاهيم التربية والاعتقادات الخاطئة لدى الآباء والأمهات. أطفالنا أمانة في أعناقنا، من لا يدرك خطورة هذا سيدرك في وقت متأخر عندما يبدأ في البحث عن علاج لابنه الخائف والتائه، ولا قدّر الله المتعب نفسياً في الكبر إذا لم يتوقف هذا الهجوم المعنوي والنفسي والجسدي. يأتي الأب والأم شاكيين أن الابن يعاني قلة نوم، أو أحلاماً مزعجة، أو خوفاً شديداً من الناس أو من المدرسة، أو عدم قدرته عن الدفاع عن نفسه، أو تلعثمه الدائم وخاصة أمام الناس، أو تبوله المتكرر، واللائحة تطول عندما نتعمق أكثر في طريقة التربية، وما يؤلم ويوجع أن الوالدين هما من تسببا بذلك. ما يغيب عن الوالدين أن أسلوب الحديث والكلام والمعاني القاسية على الطفل تلتصق بقوة داخل عقله وقلبه، ليعيش الصراع النفسي من مخاوف وتوتر وعدم الشعور بالأمان وعدم الشعور بالاستقرار، مما يجعله يتجه نحو منحنيات خطيرة تأخذ اتجاهين، الاتجاه الأول الانحناء والضعف والخوف من المجهول وعدم القدرة على الحديث والتعبير عن النفس بحرية أو يتحوّل للاتجاه الثاني من العدوانية وإسقاط كل ما يعاني منه على أطفال آخرين، فنجده دائماً كثير المشكلات والضرب والعنف مع الآخرين يطبق كل ما يتعرض له، يتضح هذا أكثر في مرحلة المراهقة التي تتحوّل إلى العدوانية على المدرسين، لأنه يكره كل سلطة تشبه والديه، و مع الأسف أن الوالدين لا يدركان ذلك. هناك من يعتقد أن التربية الصحيحة في الضرب والتحقير والتأنيب ورفع الصوت وأن الأطفال لا يتعلمون إلا بهذه الطريقة التي تشبه الطريقة التى تربّى بها الوالدان، وهنا لم يدركا أن عصر الأمس لم يعد عصر اليوم الذي يعاني من صراعات فكرية ومجتمعية، عالم مفتوح بمصراعيه على كل شيء جيد وغير جيد. الطفولة تحتاج لكمية كبيرة من الحب والقدرة على توصيله بصورة واضحة ومباشرة للمحافظة عليهم وحمايتهم أيضاً، لكي لا يصابوا بتشوه ولا انحراف عن المسار، يحتاجون للإنصات لهم واحتوائهم، ومعرفة ماذا يريدون وممَّ يشتكون؟، وهنا تظهر قيمة الحوار الذي يكون همزة وصل بين الوالدين وأطفالهم، تبنى من خلاله الثقة والمحبة والقدرة على التعبير دون خوف أو تردد، الحب لا يكون بالهدايا أو توفير الماديات، الطفولة لا تعرف هذا النمط، تعرف شيئاً واحداً هو الحب والاحترام والاحتواء والأمان، لابد أن يكون الوالدان على درجة عالية من الصبر والحكمة والتأني في اتخاذ القرارات الصائبة البعيدة عن العشوائية في تربية الأبناء، فلا يتم إسقاط الغضب أو العتب أو أي سبب خارجي على الطفل وهو لا ذنب له فيه، وإن أخطأ الطفل هناك أساليب عديدة لمعالجة هذا الخطأ غير الضرب والإهانة، ولابد أن ندرك أن أطفالنا ليس ملكاً لنا فنحن محطة عبور لهم في هذه الحياة لحكمة إلهية وهي إعمار الأرض. أختمها في مأساة والدين يعاني ابنهما من خوف شديد وتلعثم بالحديث والهروب من التواصل معهما ومع غيرهما أيضاً فلقد تعرّض للضرب والإهانة والتحقير من عمر 9 سنوات، والآن الوالدان الاثنان يبحثان عن وسيلة علاج لهذا الابن، يكلفهما ذلك كثيراً من الوقت، والمال، والجهد، والألم النفسي والشعور بتأنيب الضمير، ألا يجعلنا ذلك نتعظ، ونقدّر الأمانة التي بين أيدينا ؟ إن وجدنا أن هناك خللاً في أطفالنا فلنسرع لتقييم أنفسنا وطريقتنا وأسلوبنا معهم، أي لا نشاهد فقط سلوكياتهم بل نركز على سلوكياتنا وتصرفاتنا، فنحن المسؤولون عن ذلك.