يرى القديس أوغسطينوس" أن أخطر ما في الغضب أن يتحوّل إلى حقد". ولذلك يتعاهد أهل التصوف دائماً أنفسهم بتنظيف قلوبهم وسلامة صدورهم، ذلك أن القذى الذي يلتصق بالقلب يحول بين الإنسان وادراكه لصفاء الكون، الذي هو شرط لإدراك الوجود، والاستمتاع بالفيض الإلهي والمدد الروحاني. الغضب مادة الحقد، والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في كتابه "انفعالات النفس" جعل للحقد مرتبةً سوداء تقذف بنارها على الجسد فيمرض بشتى الأمراض. هل لاحظنا أن الحاقد سلبي، اذ لا يتضرر من مادة حقده في الأساس غيره، بينما المتسامح يغني المجتمع بعلاقاته الإيجابية، فهو متعاون وباذل. كما نتعاهد بيوتنا بتعاقداتٍ مع شركات التنظيف والعاملات، قلوبنا أولى. الغضب صفة ترتبط بالحمق، والرزانة ورباطة الجأش من خصال الحكماء. ومن جميل ما ينسب إلى علي بن أبي طالب:" من عصى غضبه أطاع الحلم". الغضب مادة خطيرة تزري بالنفس وتفتتها. والكثير من أمراض اليوم المنتشرة منشؤها الغضب وعدم تعاهد النفس بالتنقية من الشوائب والتزكية من الأحقاد. الحكماء لا يغضبون، وإن غضبوا أطاعوا الحلْم في نفوسهم. والحلْم أكبر كنزٍ ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً. يصادف أن ترى البعض غاضباً فترى شكله مختلفا، إذ يتجه نحو الحمرة والزرقة، ولو هدأ وتأمل لما رأى سببا لغضبه. يصبح الإنسان أقرب إلى الحيوان وهو غاضب، لأن الأنسنة تمدن وعقل وزمام يضبط النفس ونزعاتها ودروبها المتشعبة السيئة. الإنسان ثروة نفسية وعقلية، وخزان للحكمة والحلم، حين يعرف كيف يزكي نفسه من الشوائب. ومن جميل قول المقنع الكندي أبياته ذائعة الصيت: وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي وَبَينَ بني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُم دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم وَلَيسَ كَريم القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا. * بآخر السطر، كان عنترة عظيما يوم أنبأنا قائلا: لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ