نشرت الوطن يوم الجمعة 17 أكتوبر 2014 أن أرباح بنك الرياض عن فترة التسعة أشهر الماضية بلغت 3292 مليون ريال أرباحاً صافية أي بزيادة 12.9% عن الفترة نفسها في العام الماضي.. وأرباح بنك ساب بلغت 3297 مليون ريال أرباحا صافية أي بزيادة 17.8%، وبلغت أرباح البنك العربي 2246 مليون ريال أي بزيادة 13.1%.. هذه نماذج تعطي صورة للأرباح العالية والخيالية لبنوكنا.. وسألنا كثيرا ونعيد السؤال الآن: أين الإسهامات المجتمعية لبنوكنا؟ هل تعرفون مدرسة أو جامعة أو مستشفى أسسته بنوكنا في وطننا الذي تجني أرباحها منه؟ بعبارات أخرى، من منا في الوطن لم يسهم في نسبة الأرباح التي تجنيها البنوك؟ ثم ما المساهمة المجتمعية التي تقدمها تلك البنوك للوطن؟ الإجابة عن تلك الأسئلة الكبيرة غاية في السهولة: لا مساهمة مجتمعية تذكر للبنوك على مستوى المواطن بشكل مباشر، البنوك وفق مراكزها المالية التي تنشرها بصفة دورية تجني عشرات المليارات كل عام، وهذا ليس سرا، والبنوك تستفيد من الوطن والمواطنين بأشكال مختلفة، والبنوك فضل الوطن عليها كبير، لكن ماذا قدمت البنوك للوطن من خدمات مجتمعية الوطن في أمس الحاجة إليها؟ نعرف أن الوطن يحتاج مدارس.. واحتياجه مثلا لمدارس ما قبل التعليم الابتدائي أشد حاجة، والوطن يحتاج إلى جامعات.. فإلى وقت قريب وبعض أبنائنا يتوسلون مقاعد في الجامعات ولا يجدونها، وأيضا الوطن في أمس الحاجة إلى مستشفيات.. فقد يبقى المريض أياما دون حصوله على سرير، والدولة هي من تقوم بكل تلك الخدمات إلا إذا استثنينا بعض رجال الأعمال القلة المخلصين الذين أسسوا مدارس ذات مستوى جيد، وأسسوا جامعات، وأسسوا مستشفيات. لو اجتمعت فروع البنوك في كل مدينة وأسسوا مدرسة وبعض الكليات التي يحتاج إليها سوق العمل لدينا ومستشفى، لما أثر ذلك على مداخيلها العالية جدا.. لكن إذا لم تبادر البنوك في المساهمة فلماذا السكوت عليها؟ لماذا نحمل الدولة كل شيء؟ سيأتي وقت لن تكون الدولة قادرة على تحمل كل الخدمات والتوظيف وحدها، وليس هناك دولة في العالم وحدها تقوم بكل الخدمات والتوظيف. أزعم أن المشاكل التي نعاني منها في التعليم بكل مستوياته والصحة والتوظيف سببه وجود الدولة وحدها في الميدان.. لماذا لا تخصص البنوك جزءا من مكاسبها في تقديم خدمات تعليمية وصحية تحديدا. تنتشر البنوك في طول البلاد وعرضها وتتاجر بودائع المواطنين؛ تستثمرها وتقرضهم بأشكال مختلفة وبنسبة ربح عالية وتودع مكاسبها في خزائنها..لا نفهم أن يعاني الوطن من ندرة المدارس الخاصة المتميزة وندرة الكليات المتميزة التي تسهم بفاعلية وكفاءة عالية في سوق العمل وقلة المستشفيات، والبنوك مستمرة في أنانيتها باحتكارها لأرباحها لنفسها. ولهذا أقترح ألا تضع الدولة حسابات موظفيها وتعاملاتها في البنك الذي ليست له مساهمة مجتمعية، وتحديدا مدارس وكليات ومستشفيات، وقبل ذلك تعطى البنوك فرصة لا تزيد على ستة أشهر لتقديم خطتها للمساهمة المجتمعية موضح بها وجوب بدء تنفيذ الخطة في مدة لا تزيد على ستة أشهر أخرى. الوطن يعاني من خدمات صحية وتعليمية والبنوك مدللة.. لا بد أن تستشعر البنوك مسؤوليتها تجاه الوطن ومشكلاته، ولا يقل لي أحد إن البنوك تسهم.. الشواهد التي نريد أن نراها على أرض الواقع يجب أن تتمثل في المساهمة في حل مشكلات المجتمع، وعدم ترك الدولة وحدها تتصدى لتلك المشكلات، وحل تلك المشكلات في إنشاء مدارس وكليات ومستشفيات.. إذا تمت هذه المساهمة من البنوك سيترتب عليها المساهمة في حل مشكلة معقدة أخرى وهي البطالة.. هذه المدارس والكليات والمستشفيات ستوظف نسبة لا بأس بها من العاطلين كنتيجة طبيعية للقاعدة الاقتصادية المعروفة: مزيد من الأعمال يؤدي إلى مزيد من التوظيف.. مساهمة البنوك في المشاكل الثلاث الرئيسة في الوطن، التعليم والصحة والبطالة، ستسهم في حل تلك المشكلات، خصوصا أن قوة البنوك المالية ستجعل من المدارس والكليات والمستشفيات التي تؤسسها ذات مستويات عالية.. لن تقتصر مساهمة البنوك على التأسيس فقط بل وعلى النوعية ومن هنا تأتي الأهمية القصوى لمساهمتها.. يجب ألا ننتظر طويلا مساهمات البنوك في المجتمع.. خبراء الاقتصاد يقولون، إذا قوي المجتمع قويت مؤسساته المالية.. بمعنى أن المثل الذي يقول: "أمطري أنّى شئت فخراجك آتيني".. ينطبق هنا على البنوك إن هي أسهمت في هذه المجالات، إذا أسهمت البنوك في تعليم وصحة المواطن ارتفع دخله وبالتالي ارتفعت أرصدة البنوك واستفادت بشكل أكبر. وهنا رجاء إلى الدولة ممثلة في وزارة المالية ومؤسسة النقد السعودي، أن تشرع في إصدار نظام يحتم على البنوك المساهمة في خدمة المجتمع.. كلنا نعرف أن البنوك مقصرة، ويجب ألا يستمر هذا التقصير.. وخلاصة القول: من غير المعقول أن تستفيد البنوك من المجتمع في مكاسبها العالية جدا ولا تفيده.. البنوك قادرة على تأسيس مؤسسات تعليمية وصحية عالية المستوى لا يعود نفعها على المجتمع في تعليمه وصحته فقط، بل سيسهم أيضا كنتيجة طبيعية في خفض نسبة البطالة، وهذه أمور تعرفها البنوك أكثر من أي جهة أخرى.. فهل تستجيب البنوك؟ نأمل ذلك.