نقدم لكم في البداية تهنئة بالعام الهجري الجديد كل عام والوطن وقيادته وشعبه بخير، ليندرج موضوعنا ضمن نص مزدوج بين الإنسان والزمن والعلاقة بينهما، فقد أصدر الخليفة عمر بن الخطّاب بعد استشارة الصّحابة الكرام رضي لله تعالى عنهم أمرا أن يتعامل المسلمون بالتأريخ الهجري، ليبدأ تحديده للزمان من هجرة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ويرتبط بالتأريخ الهجري ويعلن عن ابتداء التاريخ والتقويم الإسلامي. ليشكل أهمية ثابتة بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فلم يكن اختيارا عشوائياً أو تلقائياً، بل كان نقطة اهتدى إليها الخليفة الراشد، وشكلا من أشكال التخطيط المتقن للزمن، وحقيقة لا يمكن أن تنفي استقلال كل عصر ومجتمع دون تغيير وذاتا متجددة تحث على الأمل والتفاؤل تحب وتكره، وأيضاً تنتمي وتترقب، وتتبدل وتتقدم، وترجو أن تكون غاياتها سعادة واستقرارا. إذن، في عمق التطور تحتاج الذات إلى مراحل تحول الأشياء إلى بدائل وفروق، فقيمة الأشياء تقوم على مدى نفعها، لئلا يصطدم التداخل بين الذات والموضوع بل أكثر من ذلك لحاجة العصر منها. إن هذا العامل نقطة انطلاق أساسية تؤكد أهمية وعي وقدرة المعرفة وبناء الطبيعة الاجتماعية، ففي القرن العشرين حاول الإنسان أن يجنح إلى السلم وخاصة بعد الحربين العالميتين التي حصدت ملايين من الأرواح وكبدت العالم خسائر فادحة، وعانى الإنسان كثيراً من تبعاتها، ومن ديكتاتورية الحكومات المنتصرة والخاسرة على حد سواء. وبما أن هذه الوثبة نحو عصر مختلف فإننا لا نستبعد الحياة من معناها الحقيقي إلا أذا خلت من حمولتها الشاقة، وشهد الإنسان منطقها وتحوله إلى قوة قادرة على إدراك السلوكيات المعيقة لها، فكن القائد الروحي لذاتك ولا تدع النزاع العميق يستشري في كينونة منهجك الذي قد يفقد مكانه في خضم الأحداث المحيطة. فالنظام العالمي الجديد الذي وثقنا به، عكف طويلاً على نشر السلام والقضاء على العنصرية والطائفية والجهل والتغلب على الديكتاتورية، لولا بعض المطامع التي لا تنسجم مع قانون الإنسانية. إن من يتحدث عن تحديد العلاقة بين الناس وعالمهم عليه ألا ينخدع بالتمثلات التي تمت في أغلب الأحيان، والعلاقة الوهمية التي عبرت عن واقع سلبي طور الآلة وترك الإنسان جانباً. غير أن المشهد العام ارتبط بمنح ضمانة التسديد والتعويض في ملحمة اقتصادية تغدق على الشعوب ظهوراً مختلفاً، تشكل قوة موحدة على مستوى تنظيم العلاقات الاجتماعية وتوزيع الخيرات وتحديد الأدوار لكي تتأسس فكرة الحق. وهذا التوجه استلهم منه الفرد أهمية عظمى تفيد أن التجربة أساس البناء، وعليه إدراك الحاضر، والحرص على مجتمعه وعدم الانفصال عنه، فالتحولات الراهنة تستوجب الحفاظ على الصالح العام، وهكذا يصبح الطلب الأول والوحيد معرفة أصل الفضائل لأن مبدأ الفضيلة يحمي كيان الإنسان وأخلاقه من العبث، ويجدد العهد كلما استقبل عاما جديدا يحسب من عمر الزمن.