بعيدا عن الهموم اليومية التي تلاحق القارئ في صفحات الصحف ووسائل الإعلام.. أقدم للقارئ الكريم هذا المقال الذي لا يخلو فيما أزعم من طرافة، ومتعة وغرابة، ومن فائدة أيضا.. عن الكثير من الأسماء التاريخية، والمعاصرة المتداولة في الوقت الحاضر، لبعض المدن والأشخاص والعوائل، دون أن نشعر بها لانتشارها، وتكرار استخدامها. ورغم أن الحديث عنها غير جديد إلا أن شيئا من الاقتراب منها يجعلنا نقف عند طرافتها ومعلوماتها، بما يعكس شيئا من ثقافة الشعوب والأمم في كيفية صنعها وإطلاقها، وسأعرض في ذلك بعض أمثِلة بشيء من التفصيل: ـ فنحن نعرف أن بعض أسماء المدن العالمية تنتهي بكلمة (بورغ)، ومعناها في اللغة الألمانية، والنمساوية: مدينة، حصن، ناحية، مقاطعة، ومنها جاءت مدينة بوتروسبورغ، أي مدينة بطرس، وتختلف في نطقها وتسميتها في عدد من الدول التي تحملها، ففي أمريكا مثلا: بيتسبيرغ في ولاية بنسلفانيا. وهناك مدينة: هامبورغ الألمانية التاريخية، وهي المدينة التي ينسب لها (ساوندويش الهامبورغر)، أي مدينة هام، وهي في الأساس مدينة هامون، وحذفت الواو والنون للتخفيف، وهامون هو تحريف لغوي لاسم: هامان الوارد ذكره في القرآن الكريم في عدد من الآيات الشريفة. وإذا قلنا إنه تحريف لغوي، فمعناه تحريف مرتبط بثقافة الشعوب وكيفية نطقها للاسم في حذف أو زيادة أو تقديم أو تأخير حرف في الاسم نفسه، فمثلا في تركيا يقولون: محمت، وأحمت بدلا من محمد وأحمد، والأوربيون القدامي حرفوا اسم ابن رشد إلى: (أفيروس)، وكلمة جبل طارق إلى (جبرال تار) وهكذا.. ونعود للأمثلة مع المدن، فهناك كلمة: أباد، ومعناها أيضا في بعض لغات الشرق الآسيوي الكردية والأردية والبنغالية، والفارسية: مدينة، حصن، ناحية، ريف مقاطعة، ضاحية، ثكنة عسكرية، مجمع لأصحاب مهنة معينة، هيئة، جمعية.. إلخ، ومنها جاءت أسماء كل المدن المعروفة التي تنتهي بـ (أباد) كـ(حيدرأباد)، و(جلال أباد)، وقل الشيء نفسه عن كلمة (ستان) الأردية الفارسية: ومعناها: بلاد، دولة، منطقة، ضاحية، مقاطعة، ناحية، ومنها جاءت كل أسماء الدول والمدن التي تنتهي بـ(ستان): كأفغانستان..أي بلاد الأفغان، ووزيرستان أي مدينة الوزير، وجمهورية أوزبكستان أي بلاد الأوزبك.. إلخ، ولعل البعض يسأل عن كلمة (باكستان)، ف(باك) كلمة طويلة مختصرة تعني الطهر والصفاء والبأس، هكذا جاء تعريف باكستان. وهناك كلمة: دام، وتعني في الألمانية كوخ، ووادي، ويضاف لها المعاني السابقة للكلمتين الماضيتين، ومنها جاءت كلمة: أمستردام الهولندية التي هي في الأساس من كلمة (آدمستردام) أي مدينة آدم، وحذفت الدال للتخفيف. وأكتفي بذلك في أسماء بعض المدن. أما أسماء الأشخاص، والعوائل فكثيرة، فبعض أسماء العوائل الأرمنية مثلاـ تنتهي بكلمة: يان، ومعناها النسبة، أو إضافة العائلة أو القبيلة، كما نقول: آل فلان، فيقولون: سيركيسيان، أي: آل سيركيس، ويعقوبيان: أي آل يعقوب، وغير ذلك، ونجد ما يشبه هذا في بعض العوائل والأسماء الروسية والآسيوية والإنجليزية والأمازيغية. ففي الروسية: فيسكي وهو اسم لأكثر من عائلة واحدة، منها الكاتب الروسي: ديستوفيسكي، أي ديستو آل فيسكي والفنان الروسي: روفايلفيسكي، أي: روفائيل آل فيسكي. وفي الروسية أيضا يضيفون الواو والفاء لاسم العائلة: للرجل، والواو والفاء والألف للمرأة فيقولون: محمدوف، وعلييوف، وسلمانوف، أي أبناء محمد وأبناء علي وسليمان، أما النساء فيقال: فاطمة محمدوفا، أي فاطمة بنت محمد أو من آل محمد، وزينب علييوفا.. إلخ. وفي الإنجليزية نجد عوائل وأسرا لا يحملها الاسم الأول للشخص، بل هي الاسم الثاني له كقولهم: جونسون أو جاكسون أو نيكسون، فهذه أسماء عوائل بعينها، لا أشخاص، فجونسون معناها: من أبناء جون، أو من آل جون، وجون: اسم، وسون معناها (سن son)، وتلاحظ ذلك حتى في كتابتها بحروفها: Johnson، كما نقول في العربية: هذا من أبناء فلان.. وبالمناسبة، ما دام الحديث عن الأسماء، فجون تحريف لكلمة: يوحنا، وهو اسم نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام. وبالطبع فالشيء نفسه يقال عن: روبرتسون أي ابن أو آل روبرت، وفي ذلك نجد عددا من رؤساء الولايات المتحدة من يحمل هذا الاسم، كـ(ليندون جونسون) وريشارد نيكسون.. إلخ. والحديث في هذا الموضوع يتمدد ويطول وأختمه بالكلمة الأمازيغية: آيت ومعناها: آل، نجل، ابن، منسوب إلى.. ونتذكر في ذلك السياسي الجزائري: حسين آيت أحمد. ولقد صدق الله العظيم حيث يقول: (وعلم آدم الأسماء كلها) سورة البقرة، الآية 31.