من الشعر الاجتماعي الظريف في الذاكرة النجدية المحلية، ما قاله شخص لطيف الروح، خفيف القلب، وهو يبدي عذره في عدم التقيد بالقيود الدينية الثقيلة، واقتصاره على الضروري، من الأوامر الدينية. يقول شاعرنا الشعبي: نبي نديّن مع الإخوان - ونبني مع الحضر مقصورة مير البلا لمّة العربان - وإن عرضت لي مثل نورة يا عيون شيهانة الجيلان - اللي على الوكر مكسورة هو هنا يقول إننا جميعا نرغب بترك حياة الترحال و«الشديد»، وهو نمط حياة البادية في تتبع المطر والعشب، والإقامة في منزل ثابت «مقصورة» بين أهل القرى والبلدات «الحضر» من أجل التفرغ للعبادة والتلاوة، ولكنه تذكر حياة النجعة وعبير الصحراء غبّ المطر مع لمحة سريعة من عيون «نورة» الجميلة العفيفة التي تشبه عيونها عيون الشيهانة الجارحة. فعلم أنه عاجز عن ترك كل هذا، والله غفور رحيم. محبة الحياة والتمتع بها والعيش فيها والانشداد لها، والعمارة عليها، هي أوثق العرى لاستمرار الحياة وعشقها، والإسهام فيها فرحا ومرحا، وأملا وعملا. وكراهية الحياة والضجر منها والضيق بها هو الذي يجعل التخلص من الحياة أخطر طريق يمكن أن ينزلق به المرء، وهو طريق يؤدي إما إلى الاكتئاب فالانتحار، وهو أهون الأمرين، وإما إلى طريق التزمت فالتطرف فالإرهاب، وعبر الإرهاب الموت بالتفجير، تفجير النفس والآخرين، كما يحصل الآن بشكل همجي في العراق وسوريا واليمن وباكستان، وغير ذلك من مسارح الموت. هناك حيرة وقنوط من معرفة الكيفية التي يتهافت فيها فراش المراهقين على نار «داعش» و«القاعدة»، نعم هناك تفسير سياسي لكل بلد على حدة، وهناك تفسير اجتماعي وهناك تفسير تكنولوجي (انفجار الاتصالات) وهناك غير ذلك من التفاسير، لكنها كلها لا تلغي القول بأن الشخص الذي يقرر الخوض في أوحال «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» و«الحوثي»، هو فاقد للرغبة في التمتع بالحياة ومحبتها والحرص على شرب قطراتها لآخر لحظة. بسبب هذه الحيرة تأتي اقتراحات ربما اعتبرها البعض غريبة ومتطرفة، مثلما اقترح رمضان قديروف، حاكم جمهورية الشيشان، القبض على خليفة «داعش» نفسه، وأنه أرسل رجالا من طرفه للقيام بهذه المهمة. لكن بقيت مشكلة أخرى يحددها قديروف بالقول: «هناك مشكلة هي أن بمقدور أي شخص من مستخدمي الإنترنت أن يستمع إلى من يروج لهذه الجماعة». ولهذا السبب يتفق قديروف مع من يطالب بـ«فصل الإنترنت» في إقليمه والأقاليم الروسية الأخرى. أحسن من هذا كله إثارة المحبة للحياة في قلوب الشباب، وإنعاش الترفيه والبهجة، والوعد والأمل بالغد. يقول الراحل محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهاية أيلول سيّدةٌ تترك الأربعين بكامل مشمشها ساعة الشمس في السجن غيمٌ يُقلّد سربا من الكائنات هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنيات نعم.. على هذه الأرض عيون نورة أيضا. m.althaidy@asharqalawsat.com