أحياناً أشعر أنني لا أكتب وإنما أرمي نفسي على الورق وأنفجر مليون قطعة أو مليون كلمة بسبب موقف أو مشهد فما يجري أمامك وحولك أحياناً لا يهددك بقصف العمر فقط بل يجعل حساب الحياة بملاعق الشاي لا بالسنين والأيام ولأننا في عمر متأخر يصعب على المرء منا أن يضع على عينيه نظارة سوداء ويتظاهر بالعمى ولأننا لا نملك عبث وسذاجة «شارلي شابلن» وليست لنا القدرة على اكتساب عدم مبالاة كل نزلاء مستشفى الأمراض العقلية فإن مصائب الفرد منا تتفاقم وتنفجر من الداخل كأسطوانة غاز عندما نتقابل وجهاً لوجه مع أناس فقدوا آدميتهم وانخرطوا كلياً في كتيبة فئران الحياة التي لا تفرق بين الحلال والحرام!! رجل أعرفه حق المعرفة ينزل بالشهور في فندق فاخر على الهايد بارك يأكل «البان كيك» في الصباح و«سيمون فيميه» في المساء وبين الوجبتين يصرف مخصصات يومية تكفي لإعالة شهرية لأسرة مكونة من عشرة أشخاص ويتسلى في الوقت الضائع بحل الكلمات المتقاطعة ومتابعة حريم السلطان وممارسة إحساسه المزمن بالسادية تجاه الآخرين.. ولأنني من هؤلاء الآخرين فقد جاءني مستفسراً عن الطريقة المثلى التي يجب عليه اتباعها للحصول على منحة حكومية للعلاج على نفقة الدولة .. تذكرت وأنا أستمع لهذا الاستفسار الصباحي رواية «أرض ترابها من ذهب» للبرازيلي «جورج أمادو» الذي صور في روايته مليونيرا أراد أن يمتلك كل جميل في البرازيل ولا يهم بعد ذلك جوع الجوعى وخرجت من سطور الكتاب لأقابل «سحنة» من هو أمامي مليونير يحاول بشكل عملي جداً أن يقتل مجتمعاً بأكمله فقتل المجتمعات ليس بالضرورة أن يتم بالرصاص بعض المجتمعات يمكن خنقها بنهش لحم الحاضر «الحر».. الذي تقتات منه!! أسئلة عديدة برزت أمامي وأنا أودع ذلك «الغول».. ماذا يحدث للإنسان حتى يخرج عن صوابه ويتدنى إلى هذا الحد!! هل اعتدنا التفكير بأن كل ما هو متاح حق مكتسب!! وهل الالتحاق بمدرسة حاتم الطائي لا تعلم التلميذ أن كل ما يُجاب يطلب!! وإذا كان ولي الأمر كريماً أليس لنمونا الجسدي والمالي علينا حق لنتحرر من سياج الأنانية لا شك أن من أكبر عوائق نمونا أننا نميل دائماً إلى إقناع أنفسنا بصوابية أفعالنا ونروح نبحث عن المبررات التي تسهل لنا هذا الفعل.. بالله عليكم ما هو مستوى الإحباط الذي سيصيب فقيراً ينتظر دوره في العلاج عندما يقرأ في صحيفة محلية أن «فلاناً» استطاع الاحتيال على القوانين العلاجية وتمكن من السفر على نفقة الدولة وهو يملك الأنهار السبعة.. هل العلاج على نفقة الدولة للفقير أم للقادر!! هل هو حقاً لرجل معدم لا يجد قوت يومه أو نفقات علاجه أم لآخر اغترف من خيرات الوطن طوال حياته وما زال لديه الفائض منها أو بعثرها على ملذاته وحفلاته وسفراته وألِف الاحتيال.. يستغل كرم الكرماء وعطف دولة سخرت كل ما تملك لراحة ورفاهية مواطنيها.. أعتقد أن الإجابة تفرض نفسها على هذا السؤال فرضاً ملحاً!! وهو أن العلاج لا ينبغي إلا أن يكون لغير القادرين ولغير القادرين وحدهم.. ممن ينفقون مرتباتهم في الأسبوع الأول من الشهر ويقضون بقية الشهر يرددون موال الصبر أما الأغنياء القادرون فلهم رصيد يحميهم وكفاية حب ذات يا ذوات!!