×
محافظة المنطقة الشرقية

مشروع خطة استراتيجية لرفع كفاءة القطاع الزراعي وترشيد استخدامات الموارد الاقتصادية المتاحة بالقطاع

صورة الخبر

شارفت الساعة التاسعة صباحا، كنت أتناول إفطاري بأحد الفنادق الشهيرة بحي مانهاتن بمدينة نيويورك، طلبت من النادل أن يأتيني بسيارتي من الجراج ريثما أتم إفطاري، وما إن أنهيت طعامي حتى استقللتها متوجها بها للجزء الشرقي من الحي، تحديدا للمنطقة التي وقعت بها أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتسمى Lower Manhattan، كان الجو هادئا لطيفا، انسابت سيارتي بهدوء في الشوارع التي امتلأت بالمواطنين المتوجهين لأعمالهم صباحا، كان كل شيء يبدو جميلا في صبيحة هذا اليوم المشرق، ولا أثر للأحداث المؤسفة الدامية التي شهدها هذا الجزء من العالم لأكثر من عقد مضى من الزمان، وفي نفس ذلك التوقيت الصباحي لمدينة نيويورك التي شهدت الكارثة. تطل المدينة على المحيط الأطلسي وتحتلها ناطحات السحاب العملاقة والأبراج الشاهقة التي تحيط بها من كل الجوانب، تجولت ببصري في المكان كله وقد امتاز بالهيبة والفخامة لكنه خلا من البرجين الشهيرين، برجي مركز التجارة العالمي التوأمين، أوقفت سيارتي في أحد المواقف المقابلة لمكان البرجين وترجلت منها، عبرت الشارع إلى الموقع وقد سرح خيالي نحو المنطقة التي غيرت خارطة ومستقبل الكثير من شعوب منطقتنا، بل ما زلنا حتى الآن نعاني آثارها وتداعياتها وتجلياتها. تجولت بناظري في المكان الذي يعج بالآلاف ممن يتجهون لأعمالهم بالقرب من موقع البرجين الشهيرين أو يتوجهون لزيارتهما، لم تقم بلدية نيويورك بإنشاء أي مبان في ذلك الموقع، وقد أنشئ بالمكان وبنفس مساحة البرجين شلالات تصب مياهها بالأسفل، وأحيطت بحائط رخامي سميك نقشت عليه أسماء الضحايا الذين قاربوا الثلاثة آلاف قتيل، وبالقرب منه حائط خاص بأعضاء وحدات المطافي الذين لقوا حتفهم أثناء عمليات الإنقاذ، مدعمة بصورهم الشخصية. لاشك أن ضخامة الحدث الجلل ورد الفعل الأمريكي العنيف النزاع للانتقام أولد نظريات شتى حول العالم وجدلا لا يكاد ينتهي بشأنها، وهناك قسم وفير من العرب يعتقدون أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي صناعة أمريكية مفبركة بلمسة هوليودية دامية هدفها اختلاق ذريعة لغزو أفغانستان والعراق وتفكيك المنطقة العربية برمتها، ولن أناقش الآن مدى معقولية هذه الفرضية من عدمها، لكن كل ما يحضرني هنا في هذا السياق هو أن الإرهابيين موجودون بلا ريب في منطقتنا، غالبيتهم من الشباب الغر ممن تم غسل أدمغتهم وتفريغها وملئها بأفكار ومعتقدات خاطئة كل الخطأ عن الإسلام ورسالته النبيلة، هناك بالفعل من يضرنا كمنطقة عربية من الداخل أكثر بكثير ممن يظنون أننا مجرد فريسة ساذجة سائغة لأعدائنا الخارجيين، لدينا بالفعل سوس ينخر في جسد أمتنا العربية من الداخل، قوامه عدد من الشباب العنيف صغير السن سهل الانقياد سريع الاندفاع، قليل التعليم والخبرة في آن واحد. أكثر ما آلمني وأنا أطوف بالمكان وأتجول هو الآلاف من المطويات بمراكز الاستعلامات المنتشرة بموقع الحدث، تشرح وتوضح طبيعة من قام بتلك الأحداث الإرهابية والدموية، وتصفهم بأنهم مجموعة من الإسلاميين المتشددين المنتمين لتنظيم القاعدة المتطرف، والمدعمة بعشرات الصور لضحايا الانفجارات من قتلى وجرحى ومصابين، وهو ما يلقي بطبيعة الحال في روع قراء تلك المطويات شعورا عميقا بدموية القائمين على تلك العمليات، وهو الشعور الذي قد يمتد للدين الإسلامي نفسه، فيعتقد خطأ كل من يقرأ هذا الكلام أن الإسلام دين يحض على العنف والكراهية ويحارب السلام، وهم ربما لم ولن تسنح لهم الفرصة أبدا للتحقق من تلك الانطباعات أو حتى تغييرها، وكيف يغيرونها وقادة التنظيم الإرهابي أنفسهم يعلنون على الملأ مسؤولياتهم عن تلك الهجمات، يدعون ويتوعدون بفخر وإعجاب أنهم هم من قاموا بذلك الإرهاب بدعوى الجهاد، ومنهم من يتوعد بالمزيد من قطع الرؤوس وتفجير الأجساد وتدمير المنشآت. ما شاهدته في مانهاتن كان أشبه بخواطر تسارعت في مخيلتي وأنا أشاهد موقع الحدث الذي غير مجرى التاريخ البشري، ولعله سيظل يغيره لعدد من العقود لا يعلم مداها إلا الله وحده، ولكنه التغيير الذي أفقر الكثير من شعوبنا ودمر مواردها وسلبها عزتها وكرامتها، ولعل غالبية دول العالم تسعى للتقدم، وبعضها يراوح مكانه، أما نحن فنسير للخلف بخطى ثابتة، فمتى نقرأ التاريخ بطريقة صحيحة ونبدأ في تغيير عالمنا، لنسطر تاريخا وحاضرا يليق بنا، ومستقبلا مشرقا لنا ولأبنائنا من بعدنا.