بقلم : عبد اللطيف الملحم ما زلت أذكر قبل أكثر من عشر سنوات عندما قابلت طفلاً صغيراً وسيماً ومؤدباً، اسمه (عبدالله). هذا الطفل تربى وترعرع في بيوت إحدى أعرق الأسر المعروفة بالعلم والصلاح والأدب، ألا وهي أسرة القاضي. التقيت هذا الطفل عندما كان بمعية أخيه الأكبر (أحمد) الذي كان يدرس مع ابني الأكبر (محمد) في نفس المدرسة. و منذ ذلك الوقت لم أر الطفل عبدالله مرة أخرى. وقبل أن أكمل حديثي عن هذا الطفل، دعوني أستميحكم العذر لأتحدث عن حادث أليم حصل لأحد أبناء عمومتي من الأطفال قبل أكثر من نصف قرن من الزمن في مدينة الرياض. فقد اختفى هذا القريب عن الأنظار وبدون سابق إنذار أثناء لعبه قرب منزله. و في ذلك الوقت كانت شوارع الحارة تعج بالكثير من التراكتورات والقلابات لتشق طرقاً جديدة وسط حارات الرياض القديمة. و عندها بدأ البحث عن هذا الطفل. ومضت الأيام الأولى و الخوف كان منصباً حول هل هذا الطفل حي أم ميت؟. و بعد مرور مزيد من الأيام على غيابه بدأ الخوف والهلع يتحول إلى مرارة السؤال وكابوس، حول ماذا لو لم يتم العثور على هذا الطفل إلى الأبد؟. و لكن بمحض الصدف تم العثور عليه مدفوناً تحت جدار بعد أن كانت آليات شق الطرق قد هدمت أحد الجدران على الطفل ليموت في الحال. ورغم فظاعة المنظر وحزن الجميع على ابن عمي الصغير, إلا أن مجرد العثور عليه كان جزءاً من تخفيف الضغط النفسي على جميع أفراد أسرته. أي بمعنى آخر وهو، أنه مهما تعرض الإنسان إلى مصيبة، فهناك حالات أصعب منها. ولا يجدي معها إلا الصبر والاحتساب. والآن نعود إلى الطفل عبدالله القاضي قبل عدة سنوات علمت من ابني محمد الذي كان في ذلك الوقت يدرس في مدينة شيكاغو بأنه استقبل عبدالله القاضي بعد وصوله لمدينة شيكاغو عندما وصلها بغرض الدراسة وبعدها انتقل إلى ولاية كاليفورنيا. وسألت ابني مازحاً عن الطفل عبدالله، فقال بأن الطفل الصغير أصبح شاباً يافعاً الآن، وهو نفسه الإنسان الخلوق و المؤدب. وقلت لابني: إن صفة الخلق والأدب وحب الناس ليست صفة الشاب عبدالله فقط، بل هي صفة أسرة القاضي كلها. ولكن وللأسف الشديد وبدون سابق إنذار اختفى الشاب عبدالله القاضي وبالطبع بقية القصة معروفة للجميع. والآن فمهما سطرنا من كلمات، ومهما ذرفنا من دموع، فلن نعرف عمق حزن والد ووالدة وأسرة عبدالله القاضي. ولكن عبدالله الآن ليس فقيد أسرته فقط، بل أصبح فقيد كل أسرة في مملكتنا الحبيبة. ورغم عظم الحدث, إلا أنه شيء جميل أن نرى كل الأسر تحدثت عن عبدالله و كأنه أحد أبنائها و رأينا تكاتف الجميع، سواء السفارة السعودية أو الملحقية الثقافية، وكل مبتعث ومبتعثة لإيجاد عبدالله. وفي المملكة رأينا دعوات لعبدالله تأتي من كل جزء في المملكة والخليج. والآن فما حدث هو شيء قدره الله سبحانه وتعالى، ولا راد لقضائه. وعبدالله القاضي عند رب رحيم. وليس بيدنا إلا أن نقول يا أسرة القاضي.. عظم الله أجركم وألهمكم الصبر والسلوان. فيا أسرة القاضي.. مصابكم هو مصابنا. نقلا عن اليوم