منظومة العمل الرسمي في العالم العربي أصابها العطب في مركز قرارها ولم تستطع أن تستجيب للتحديات التي تستهدف وجودها، فأغلب ما يصدر عنها مسكنات تهدأ الأوجاع ولا تداويها، وبدلاً من الالتفات بكل عناية لمصادر الأمراض وعلاجها قدمت المرض للمرض، فلا الربيع العربي كان ربيعاً ولا الديمقراطيات أصبحت تمثل الشعوب وإرادتها، حالة تنفي الوجود وتثبت الضياع وتعزز ثقافة الثأر، حالة الكل فيها مظلوم الحكومات والشعوب، ولا ظالم إلا الحل إن جاء من الشعوب سادت الفوضى وإن جاء من الحكومات ساد القمع، "هبل وجود". الشعوب العربية هي مجموعة امتدادات تصل المنطقة في بعضها سواء بالنسب القبلي أو الانتماء الفكري أو حتى الاستثماري والحكومات كذلك، وبينهما أيضاً عداوات تقربهم من بعضهم أكثر من أن تبعدهم، المرض السياسي في العالم العربي يشبه المرض العضوي للفرد إن عجز عن علاجه في الداخل رحل للخارج طلباً للشفاء، وتبقى قضية العجز نسبية، حسب المرض ومكانة المريض، رحلت أوجاعنا السياسية للخارج كثيراً ولم يكتب لها الشفاء، فعجزنا السياسي وهمي ومصطنع، فمرض العالم العربي السياسي وهم وليس مصالح، فالوهم مرض فتاك إن ترك أباد العقل والجسد، وعلاجه دائماً في رأس المريض يعترف بالوهم ويتوقف عنه. الحكومات العربية معروفة أمراضها ولها تاريخ، مانشهده اليوم من فوضى هو بسبب أمراض الشعوب التي أصيبت بداء الحكومات، فالكل يريد التغيير والكل يريد أن يكون هو مركز التغيير، أولا يجب الاعتراف بمرض الشعوب سواء مرض الأمية السياسية أو المذاهب الدموية أو التعصبات القبلية، والاعتراف نصف العلاج، وبعدها التشخيص ثم الدواء، طبيب الشعوب العربية هو الشعوب العربية، فالمذاهب لها زعماء وكذلك القبائل والأسر الكبيرة تمتد بين دولة ودولة، فإخراج المرض من عقول الشعوب وثقافتها لا يأتي الا برضا الشعوب وقد عجزت الحكومات عن ذلك، وبهذا نطرح علاجاً عربياً محلياً وليس علاجاً أجنبياً، فإان كان مرض الحكومات يعالج بالخارج فمرض الشعوب أين يكون علاجه؟ الموضوع معقد وتعقيده قد يكون في سطحيته كما سيذهب البعض لذلك لأن الشعوب العربية ينظر لها أنها أمية وعاجزة عن ابتكار حلول ناجعة لوجودها، وهذا هروب وليس استنتاجاً يفيد الحل، فالعرب بعد ثوراتهم أصبحوا شركاء في تمزيق أوطانهم وإن أردنا أن نصنع صورة كاريكاتورية قلنا غزوها فالعربي اليوم هو من يقوم بغزو بلاده وليس المحتل الأجنبي. ان يكون هناك مؤتمر حل لقضايا العرب للشعوب العربية، يجمع القبائل والطوائف والمذاهب وجميع القوى الشعبية ويقرروا ماذا يريدون لحياتهم أن تكون، فالجميع يتحدث عن تقسيم العالم العربي لدويلات متناحرة.. هل يريدون أن يكونوا جزءاً من هذه الرؤية أو كل ضد هذه الرؤية، فالشعوب العربية لم تعد خارج السياق السياسي، ولا نريدها ان تخرجنا عن السياق السياسي الذي يحفظ وجودنا من التمزيق.