نشهد اليوم مشروع تفكيك تاريخي وايديولوجي سيغير من مفاهيم المصالح الاقتصادية والقوى في مناطق العمق التاريخي الاسلامي، فالمنطقة التي تغمر غمرا بالتاريخ والايديولوجيا قد يتم تغييرها وتفكيك عناصرها التاريخية والأيديولوجية ما يجري حولنا منذ أربع سنوات تقريبا هو افتتاح لمسرح سياسي مهم ارتبط بمكونات أساسية من عناصر تكويننا في هذه المنطقة، نحن اليوم على وشك التأكد من أن الازمة التي انطلقت خلال الأربع سنوات لها علاقة (بتاريخنا وتراثنا) فقط، فنحن اليوم امام أزمات ليس لها علاقة بالاقتصاد مباشرة او مصالحه، فهذه الفقرة من تاريخنا ليست حاضرة اليوم بشكل دقيق، ولوضوح الصورة فقد كانت حرب تحرير الكويت على سبيل المثال نغمة اقتصادية بالدرجة الأولى وهناك امثلة كثيرة مررنا بها تؤكد ذلك. اليوم يفتح الباب على مصراعيه لكل التفسيرات والتأويلات الممكنة ويستطيع كثير من الناس أن يكتبوا وبشكل دقيق عن تفسيراتهم المحتملة للازمة من حولهم وفقا لخلفيتهم التاريخية وعوامل سياسية وجغرافية تشكل منها الفكر لدى هؤلاء الراغبين في ممارسة التحليل السياسي والفكري، ولكن الحقيقة المطلقة التي علينا أن نعرفها أن الثورات العربية التي انطلقت منذ أربع سنوات تقريبا ما هي الا مشروع ليس الاقتصاد من مرتكزاته الرئيسة. اليوم نحن امام زوال متدرج بل سريع لفكرة المصالح الاقتصادية، فالمؤشرات الاقتصادية في العالم اليوم من حولنا تقول ذلك بكل وضوح، وهذه الفكرة هي التي خلقت ذلك الارتباك في فهم مسار المصالح الغربية تحديدا في المنطقة، ولذلك شهدنا على سبيل المثال مسارا سياسيا امريكيا متناقضا وغير واضح بل متردد في كثير من الأحيان وغير مفهوم وهذه أولى الكلمات الخمس لفهم الازمة. السؤال المهم يقول: ما هي المنطلقات الجديدة التي سوف تبنى عليها الحركة السياسية في المنطقة بعد تلك المشاهد التي شهدناها كنتيجة للثورات العربية...؟ ولكن قبل أن نبحث عن إجابة مقنعة يجب أن نتذكر أن المصالح الاقتصادية والحرب دونها استغرقتا من الغرب نصف القرن الماضي، ولكن مع بداية القرن الحادي والعشرين حدثت ازمة الحادي عشر من سبتمبر لتغير هذا المفهوم تدريجيا وتراجعت فكرة المصالح الاقتصادية بشكل لا يقبل الشك وحلت محلها فكرة المصالح التاريخية والمصالح الأيديولوجية، وللتذكير فقد اعلن آخر رؤساء أمريكا بشكل مباشر رغبته في تخفيف اعتماده على الطاقة المستوردة من منطقتنا العربية. الولايات المتحدة الامريكية وهي الكلمة الاولى في الكلمات الخمس تشكل السبب، اما الكلمات الأربع الباقية فهي النتيجة، ولا أعني في الكلمات الأربع الباقية (داعش، ايران، سورية، اليمن) أي دلالة جغرافية او سياسية، إنما أعنى مصادر الطاقة الجيدة للعملية السياسية في المنطقة (المصالح التاريخية والمصالح الجغرافية)، فحتى نهاية هذا القرن سيكون تفكيك المشروع التاريخي والمشروع الأيديولوجي للمنطقة هو الطريق الذي يجب على الجميع في هذه المنطقة السير فيه، والخطورة الأعظم في هذين المشروعين انهما قابلان للاشتعال العسكري، وكما شهد العالم حربين في قرنه الماضي، فليس مستبعدا أن يشهد العالم حربا عالمية ثالثة ورابعة في هذا القرن قد تختلف الأساليب او الوسائل ولكن المؤكد أن تفكيك المشروع التاريخي والايديولوجي في المنطقة لابد أن يمر فوق جسر للحروب العالمية قد تكون فكرية وقد تكون عسكرية. في سؤال ثان يقول ما هي المدلولات الأخرى في هذا المشروع في الكلمات الأربع الباقية (داعش، إيران، سورية، اليمن)، كل هذه الكلمات إذا ما نزعناها من مكونها الجغرافي نجد انها مليئة بل مفعمة بفكرتي التاريخ والأيديولوجيا، فالعراق حيث داعش ارض الخلافة العباسية، وايران بلاد امبراطورية الفرس حيث اسقط الإسلام إمبراطوريتها، وسورية خلافة المسلمين وارض الروم وأرض الدولة الاموية، واليمن ارض الحضارات، كل هذه المواقع حضن التاريخ الإسلامي ولن يتمكن أحد من فهم ما يجري دون ربط بين هذه الشفرات الأربع وبين التاريخ. الجانب الاخر من المشروع يتمثل في التفكيك الأيديولوجي الذي أصبح من الممكن أن يرى بوضوح خاصة بعد احداث سبتمبر الشهيرة، ولو ربطنا بين الكلمات الأربع (داعش، إيران، سورية، اليمن) وبين الكمية الأيديولوجية في محتواها لوجدنا أن هناك قضايا مهمة لا يمكن اغفالها عند التحليل، ولكن النظرية الأساسية التي لابد من تأكيدها هي تحضيرا مفتعلا يجمع مكونات أيديولوجية متصارعة داخل تراث واحد هو التراث الإسلامي، فهناك ثلاثة أواربعة او خمس مكونات أيديولوجية متصارعة تاريخيا تعاقبت على مراكز القوى في التاريخ الإسلامي. انا لست مع فكرة الصراع التاريخي وصدام الحضارات ولا اربط هذا التحليل بفكرته ولكن ما يجب التنبه اليه هو المعطيات التي تدير التغيرات التي نشهدها في منطقتنا، في الحقيقة هناك مشروع تفكيك تاريخي وأيديولوجي وهذه الحقيقة بلا شك ابدا ولكن السؤال المهم الذي يجب أن نطرحه يقول هل يمكن التحكم بالنتيجة التي يمكن أن نشهدها بعد سنوات من تأكيد هذا المشروع..؟ عبر تاريخنا لعب التراث والايديولوجيا أدوارا مهمة في تغيير المساحات السياسية فكل التغيير الذي حدث في تاريخنا وخاصة مع ظهور الاسلام لم يكن مشروعات حضارية مستقلة عن الأيديولوجيا وهذا ما جعل العنصر الأيديولوجي في تراثنا عامل حسم في مسيرتنا السياسية والتاريخية. ومن هذا المنطلق نشهد اليوم مشروع تفكيك تاريخي وايديولوجي سيغير من مفاهيم المصالح الاقتصادية والقوى في مناطق العمق التاريخي الاسلامي، فالمنطقة التي تغمر غمرا بالتاريخ والايديولوجيا قد يتم تغييرها وتفكيك عناصرها التاريخية والأيديولوجية وهذا كله بسبب يقف خلفة مساحة كبرى من استغلال تاريخ المنطقة وصراعها الأيديولوجي ليس القريب بل ذاك الذي انطلق مع الساعات الأولى للتاريخ الإسلامي. ما الذي يمكن أن يحدث وكم ستكون مدة هذا المشروع لتفكيك التاريخ والايديولوجيا وماهي نتائجه..؟ كلها أسئلة خطيرة ولكنها يجب ان تعيدنا بسرعة الى التاريخ لنتعرف عن قرب على تلك النتائج الخطيرة التي تركها لنا التراث وهو يقول ان نفس الأخطاء السياسية والفكرية والأيديولوجية تم تكرارها عبر عشرات القرون التي مضت وبنفس الطريقة ولعل أفضل الأمثلة تعيدنا الى ماذا حدث للقدس بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ذات الصورة والمشهد ما الذي حدث للقدس بعد صلاح الدين ذات الأخطاء تتكرر بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعد صلاح الدين. معالجة أخطاء التاريخ بحاجة الى توقف فلم يعد ذات التاريخ صالحا لكل زمان ومكان ولم تعد تلك الأيديولوجيا سوى عبء كبير على التراث والمجتمعات الإسلامية، لذلك لن يتم الرد على هذا المشروع الذي يصعب إيقافه الا بمشروع حقيقي عناصره ليس الاقتصاد او القوة العسكرية بل عناصره تجديد في الفكر وتغيير في اتجاهات التراث، وتعطيل الكثير من قنوات التاريخ التي لازالت تصب خطأ في البحر المجتمعي.