المشكلة الكبرى التي أدّت في تصوري إلى خلط الأوراق في منطقتنا بشكل غير مسبوق، وأضرمت كل هذه النيران التي ارتفعت ألسنة لهيبها إلى عنان السماء، هي أن كل الأحداث والمواقف والتحركات تتم تحت عنوان محاربة الإرهاب، حتى أولئك الذين يتحاربون فيما بينهم، كل طرف يدّعي أنه يُحارب الإرهاب وكأنّ الإرهاب كائن جنّي كلٌ يراه في مكان مختلف، وبهيئة مختلفة. حزب الله، حزب مصنف دولياً على قائمة المليشيات الإرهابية، ومع هذا فهو يُقاتل في سورية بدعوى محاربة الإرهاب، وجبهة النصرة المصنفة هي الأخرى ضمن ذات القائمة تقاتل الإرهاب، والأمر ينسحب على الجميع إيران تقاتل الإرهاب، وعصائب الحق تقاتل الإرهاب، وفيلق القدس يحارب الإرهاب، وطبعا ومن دون أدنى شك بشار الأسد الأب الحنون للشعب العربي السوري الذي ينثر عقود الياسمين على رؤوس شعبه، هو الآخر يُحارب الإرهاب، وقبله نوري المالكي كان يُحارب الإرهاب، وأمريكا تحارب الإرهاب، وكتيبة فجر ليبيا تحارب الإرهاب، والحوثيون يحاربون الإرهاب، وربما داعش يحارب الإرهاب، ولن يكون هنالك أي غضاضة فيما لو أعلنت القاعدة أيضا أنها تُحارب الإرهاب، بمعنى آخر لم يبق أحد لا دول ولا فصائل إلا ويُحارب الإرهاب، حتى إن الواحد منا يكاد يُشفق على هذا الكائن ذي الوجه الهلامي الذي يُحاربه الجميع، أو يتقاتلون فيما بينهم تحت عنوانه، ولك أن تتخيّل كيف تتقابل رصاصتان في اتجاهين متضادين، كل واحدة تأخذ مسارها إلى صدر صاحب الرصاصة الأخرى وبذات المهمة.. ضرب الإرهاب. أيّ لغز هذا؟ وكيف لنا أن ندّعي الحرب على الإرهاب ونحن لم نتفق بعد على تعريف واحد له، يُحدد هويته، وشكله، ولونه، ويرسم ملامح وجهه، وصورته الشخصية من دون أي فوتي شوب وأي قناع ديني أو سياسي، ويعيد تنظيم تصويب البنادق إلى صدره، كيف يكون هذا؟ هل جُنّ هذا العالم بحيث أصبح لكل طرف إرهابه الخاص كماركة مسجلة له وحده دون من سواه؟، ليطلب من الآخرين أن ينضمّوا إلى ركابه، ويحمون ظهره أو يقاتلون معه وفي صفه وفق رؤيته، لا وفق سمة محددة المعالم تُشخّص هذا اللعين، وتنزع القناع عن وجهه لتراه كل الأعين (كفلقة القمر ليلة تمامه) بكامل صفاته الثبوتية، وليس كما هو حاصل الآن كهلال الشك. أنا لا أتصور أن هذه القوى الدولية الضخمة لا تدرك معضلة هذه المعايير المزدوجة لتعريف الإرهاب، أو إنها لا تعي كيف يتم استغلال هذه الفوضى العارمة في تحديد شخصيته لتدع الفرصة للكل أن يجيش المقاتلين لإعلان الحرب عليه، لولا أنها وجدتْ ضالتها في تغييب أو تمويه ملامحه لتعمل على تصفية خصومها ومن يعترضون طريق مصالحها من أي طرف كانوا باسم محاربة الإرهاب، إذ لو كان له عنوان واحد، ووجه واحد، وهوية واحدة كما يُفترض، فلن تجد سبيلا لمقاتلة من يهدد مصالحها ممن لا يحمل هويته الدموية، لذلك هي تتمسك بالإبقاء على هذه التعريفات المتناقضة لاستخدام ما تريده منها كيف تشاء ووقتما تشاء، حتى لو نجم عن فوضى التعريفات هذه أن يمسك كل واحد بتلابيب الآخر على أنه الإرهابي الذي دوّخ الإنسانية، وأقضّ مضجعها. تعرفون من هو (المبسوط) في هذه الحالة؟، الإرهاب نفسه، لأنه (يلعب على الحبلين)، فهو في نظر هذا المجتمع الدولي الذي يتصنّع الحوَل، يحمل متى شاء صك براءته وطهارته بيد، ويحمل صك إدانته وجرمه باليد الأخرى، المسألة تتصل فقط بالمقعد الذي يختاره، ومدى قربه أو بُعده عن مقاعد اللاعبين الكبار.