ترفع بعض الأسر شعار: "لا أزوج ابنتي لشاب يسافر"، عندما تكتشف أن الشاب متعدد السفريات إلى الخارج، حيث يثير ذلك في نفوسهم الريبة والخوف على مستقبل ابنتهم، ربما لتنوع كثير من القصص التى تحوي تفاصيلها أحداثاً مؤلمة. وتضع الأُسر عدة معايير لقبول الشباب، فأحياناً تكون منطقية يتخللها مبادئ أساسية ومثالية، وأحياناً تكون تعجيزية، تختلف من بيئة إلى أخرى، فهناك ما يكون عن طريق السؤال عن الخاطب، سواء عن طريق العمل أو الأصدقاء والأقرباء، إلاّ أن ذلك قد يتخلله المجاملة وعدم الصدق، وهذا للأسف ما نشاهده في بعض "الزيجات" التي تكتشف الزوجة مثلاً إدمان الزوج أو أي سلوكيات سلبية أخرى. وتحكم بعض الأُسر على الشباب حكماً خاطئاً لكثرة سفره للخارج، فمن وجهة نظرهم أن كثير السفر لا يصلح أن يتزوج ويفتح منزلاً وأسرة، وهذا ليس بمقياس صحيح؛ لأنه ليس كل من يسافر للخارج سلبي، فهناك شباب اعتادوا السفر للترفيه والاستمتاع الإيجابي ومرافقة الأصدقاء، ومن لم يكن حريصاً على نفسه في وطنه ووسط أسرته لن يكون حريصاً عليها في بلاد الغربة، فالإيمان العميق والضمير هو ما يتحكم في سلوكيات الفرد من عدمه، وإن كان سلوك الشاب منضبطا هنا في بلده فلن تستطيع أي قوة ثنيه عما يريد ويرتئي. قناعات أسرة وقال "محمد أبو ملحة" - رجل الأعمال: إن موضوع السفر للخارج يدخل في قناعات كل أسرة وتحليلها لذلك، وفي فكرة الارتباط هناك أشياء أساسية تركز فيها الأسر علاقته بربه وبوالديه وجيرانه، التى أعتقد أنها من أسياسيات القبول والرفض، أمّا السفر فإننا ندخل في النوايا التى لا يعلمها إلاّ الله، مضيفاً أن كثيرا من الشباب الذي لم يسافر مارس الطيش واللهو في المراكز التجارية داخل مدننا، مبيناً أن السفر الذي يثير الريبة هو السفر كل أسبوع، أما في الإجازات برفقة الأهل أو الأصدقاء للاستجمام فلا مانع منه، مشيراً إلى أن مثل هذا النوع من الرفض يدفع بزيادة أعداد العنوسة، لذلك يجب على المجتمع محاربة كل الظواهر السلبية وتذليل العقبات أمامهم، وكذلك تخفيض المهور وإلغاء مظاهر المبالغة في حفلات الزواج. معادلة صعبة وأوضحت السيدة "فايزة قمصاني" أن الحرية لها حدود ونحن في مجتمع سعودي له نظرة معينة تجاه المسافرين إلى الخارج، مضيفةً أن الشيطان لم يمت، مؤكدةً أن كثيرا من الأسر لها محاذير حول سفر الشباب للخارج، وهي معادلة يصعب تحقيق التوازن فيها بميزان العقل والقلب، فأحياناً يكون السفر ضروريا لغايات مقنعة ويقع الشاب في دوامة الرفض اللامنطقي، وديننا الإسلامي يحكمنا في الظاهر والباطن، ذاكرةً أنه من خلال تجربتها الحقيقية فإن الرجل إذا كثرت سفرياته فقد يقع في المحظور الذي سيجلب المشاكل لأسرته ولنفسه، وفي حالات كثيرة كان هذا السفر سببا للعار وحدوث الطلاق، لذلك هي ترفض سفر ابنها للخارج من دون داع لذلك. ورأت الأستاذة "أمال نوري" أن رفض طلب الشاب للزواج فيه كثير من الظلم، لكن السؤال: أين سافر؟، وعدد المرات التى سافر فيها؟، التى قد تكون سبباً في تحويله إلى مدمن سفر ولا يستطيع أن يعيش من دون زوجة واحدة، مضيفةً أن المسألة تعود للكم ولوجهة السفر، مبينةً أنها تحرص على أن يكون أبناؤها بعيدين عن هذه الصورة. نوعية السفر وتحدث "د. إبراهيم الجوير" - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - قائلاً: إن الأمر يتوقف على نوعية السفر، وأين سافر هذا الشاب، وفي ماذا يقضي وقته خلال السفر، وهل هناك دواع للسفر، مضيفاً أن السفر بحد ذاته ليس عيباً، والزوجة الحاذقة هي التى تستطيع من خلال أسلوبها وإغرائها إلى أن تبقي زوجها في المنزل ومن ثم البلد ولا يفكر في السفر، مبيناً أن السفر اذا كان بقصد المتعة فقد وجد المتعة الحقيقة في أحضان زوجته الآمنة السليمة، لكن قد يكون هذا السفر لشاب من أجل إنجاز أعمال أو عقد صفقات وبعد الزواج يفضل أن ترافقه زوجته، التى قد تكون دافعاً له لمزيد من الإنجاز وتحقيق الحلم المشترك بينهم، مُرجعاً أسباب رفض الأسر وذلك بسبب الخبرات والتجارب التى وضحت للناس أن هناك تصرفات ليست حميدة يفعلها الشباب خلال سفرهم للخارج، ومن ثم عممت هذه الصورة على الجميع، مع أن ذلك فيه ظلم، فليس كل من سافر يحمل العناصر السلبية، لكن الناس معذورون، فهم يخافون على بناتهم ومستقبلهم وعلى حياتهم الزوجية، لذلك يبدون هذا الحذر الذي تعيشه كل الأسر في جميع المجتمعات. حكم خاطئ وشدّدت "هيفاء صفوق" - أخصائية اجتماعية وكاتبة - على أهمية وضع المجتمع معايير متعددة لقبول الشباب للزواج، فأحياناً تكون منطقية تتخللها مبادئ أساسية، وأحياناً تكون شروطا تعجيزية أو مثالية لتقبله، مضيفةً أن المعايير تختلف من بيئة إلى أخرى، فهناك ما يكون عن طريق السؤال عن الخاطب، سواء عن طريق العمل أو الأصدقاء والأقرباء، لكن أيضاً هي صورة مبهمة إلى حد ما؛ لأن كثيرا ما يجامل المجتمع في ذلك، فلا يعطي الصورة بحقيقتها، وهذا للأسف ما نشاهده في بعض "الزيجات" التي تكتشف الزوجة مثلاً إدمان الزوج أو أي سلوكيات سلبية أخرى، مبينةً أن بعضهم يحكم على الشباب حكماً خاطئاً لكثرة سفره للخارج، فمن وجهة نظرهم أن كثير السفر لا يصلح أن يتزوج ويفتح بيت وأسرة، وهذا ليس بمقياس صحيح؛ لأن ليس كل من يسافر للخارج سلبيا، فهناك شباب اعتادوا السفر للترفيه والاستمتاع الإيجابي ومرافقة مجموعة من الأصدقاء في السفر، مشيرةً إلى أن أغلب العالم يعيش ذلك، بل حتى كبار السن في الخارج نجدهم في كل مكان سياحا نشاهدهم يسافرون ويستمتعون ويعيشون حياتهم بطبيعتها البسيطة والجميلة، متسائلةً: لم العجب والحكم السريع على شبابنا أنه يسافر كثيرا؟. نظرة سطحية وأوضحت "هيفاء صفوق" أن ذلك يدعونا إلى أن نتأمل ونطرح سؤالاً: هل الشباب الذين لا يسافرون إلى الخارج لا تصدر منهم السلوكيات السلبية؟، ألا يوجد شباب في داخل المجتمع نفسه يمارس كل السلبية من سهر وإدمان الاستراحات لفترات وساعات طويلة؟، ألا يوجد في داخل المجتمع شباب لا يتحمل المسؤولية؟، إذاً ليس السفر هو المقياس، بل اعتبارات أخرى نقيس بها الخاطب من المقابلة والأسلوب والشهادة والاعتماد على النفس، مبينةً أن هناك أمورا لا نستطيع مشاهدتها حاضراً إلاّ بعد الاحتكاك والتعمق في العلاقة، فكم من شخص كان جيداً في كل شيء في البداية، لكن بعد الزواج اتضحت الصورة، كالعصبية والغيرة والبخل والعنف أو السيطرة، مؤكدةً أننا لا يجب ألا نحكم على الشباب أنه سلبي لمجرد سفره للخارج؛ لأنه حكم غير صحيح؛ لأن هناك مساؤى أكثر من ذلك وأعمق، فلا نجعل نظرتنا سطحية نركز في شيء ونترك ما هو أعمق. حسن الظن وقالت "د. سحر رجب" - مستشار نفسي وأسري: لدينا معتقدات كثيرة وبالية مع الأسف، فما نرضاه لأنفسنا يصعب علينا رضاه على الآخرين، متسائلةً: كيف لا نرضى تزويج بناتنا من شاب كثير السفر وقد يكون ابن هذه الأسرة كثير السفر؟، لماذا لا نعتقد بهم الخير؟، أليس من المفترض بل ومن الضروري أن ما غرس في ابني من قيم ومبادئ غرس في ابن كل أسرة؟، أليس دعوتنا إلى الإيجابية تدعونا إلى أن نحسن الظن في فلذات أكبادنا؟، فنحن نرسلهم للتعليم ولتعلم ثقافات يرتضونها، كل شيء علينا أن نأخذ منه ما نريده وفي صالحنا لا ما يريده الآخرون، مضيفةً أننا أمة وسط كما أخبرنا سيد البشرية عليه أفضل الصلاة والتسليم، ذاكرةً أن هناك فتيات فتحت لهن حكومة خادم الحرمين الشريفين أوسع مجال للابتعاث بغض النظر عن وجود محرم أو من دون، مبينةً أن ما زرعناه لابد من حصاده يوماً ما، متسائلةً: هل يرفض الخطيب الشاب أو من هو مكلف بالخطبة تلك الشابة أو ذاك الشاب لأنهما مبتعثان؟، مؤكدةً أنه في السفر تعليم وفوائد جمة، فلنقس ذلك المبدأ على الكل، فمن لم يكن حريصاً على نفسه في بلده ووسط أسرته لن يكون حريصاً عليها في بلاد الغربة، ذاكرة أن الإيمان والإسلام العميق والضمير هو ما يتحكم في سلوكيات الفرد من عدمه، إن كان سلوك الشاب أو الشابة منضبطا هنا في بلده فلن تستطيع أي قوة ثنيه عما يريد ويرتئي، مُشددةً على أهمية الثقة بالتربية وما غرست من باب أولى أن أثق به في كل مكان.