مع نهاية كل إجازة خصوصاً في الفترة الأخيرة يتبادل الناس رسائل، ونكاتا ومقاطع فيديو، يعبرون من خلالها عن ضيقهم من العودة إلى العمل، وهو ما قد يعطي مؤشراً على توجهات المجتمع، ومزاجه العام، وركونه إلى الراحة والكسل أكثر من الجد والإنتاج، ومع أنه من الطبيعي أن يكون اليوم الأول في العمل بعد العطلة فيه شيء من الصعوبة، ولكن ما نراه شيئاً تجاوز الحد الطبيعي فهو حالة من البغض للعمل، وكأن هؤلاء الأشخاص في ورطة، أو أنهم سيساقون إلى العذاب! لم يكن الناس في الماضي يتبرمون من العمل كما هو الحال الآن، هل لأن العمل كان بالنسبة لهم وسيلة للبقاء؟ أم هو محدودية الخيارات أمامهم، أم قلة فرص الترفيه في حياتهم ؟ هل هو البحث عن تحقيق الذات في العمل أكثر من الماضي؟ ثم، هل من الضروري أن يحب الإنسان عمله؟ أم المفترض ألا ينتظر الإنسان أكثر من أن يحصل على مقابل مادي لجهده ووقته؟ يعطي أحد الكتّاب المتخصصين في مجال الأعمال وبناء على دراسات تجريبية تفسيراً لعدم ارتياح الكثير من الناس للوظائف التي يمارسونها، وهو أن الأجر الذي يتقاضاه الشخص يقلل من متعة العمل، أو على الأقل يقلل من دافعيته له لأنه يحس بأنه مجبر عليه، وهذا ما يفسر استمتاع الأشخاص في الأعمال التطوعية أكثر من الإلزامية، فالملاحظ أن الأشخاص ينخرطون بفاعلية في أعمال شاقة كالعمل في مجال الخدمات الإنسانية أثناء الحروب والكوارث، وبكل سعادة ورضا رغم خطورتها، بينما لا نجد الحماس والإخلاص عند بعض ممن يعمل في أقسام الطوارئ في المستشفيات! ويشير الكاتب إلى حماس الأشخاص لأداء الأعمال المرتبطة بالفن والموسيقى حتى ولو كانت بدون مقابل لمجرد أنها تحقق المتعة والسعادة لهم. بمعنى آخر كراهية العمل مبعثه معظم الأحيان هذا الشعور بالالتزام الذي يفقد الوظيفة المتعة، ويزداد الوضع سوءاً عندما تزيد ساعات العمل بالشكل الذي يجعل الإنسان يشعر أن ذلك ضد الطبيعة البشرية، أو عندما تكون العلاقات داخل بيئة العمل غير محفزة، أو أن العمل يدار بشكل سيئ، أو أن الرواتب غير مجزية، أو بسبب مشكلة المواصلات،… وغير ذلك من الأسباب. ولكن كل ماسبق لا يعني أنه لا يوجد أشخاص يحبون أعمالهم حتى ولو لم يجدوا فيها المتعة، فالمسألة هنا تتعلق بالموقف والسلوك، وبالقدرة على الإنجاز وتحمل المسؤولية، والتعامل مع الوقت بطريقة تتيح للشخص أن يوازن بين عمله وحياته الخاصة، وتخصيص وقت لممارسة هوايات ممتعة. في النهاية على الإنسان أن يقدر نعمة العمل، وينظر إلى وظيفته بإيجابية لأنها مصدر دخله الذي سيتيح له تأمين احتياجاته وتحقيق أحلامه، ويدرك أن تنمية قدراته ومهاراته تقوي ثقته بنفسه وارتباطه بوظيفته، ويتذكر أن قيمة الأشياء لا تعرف إلا عندما تفقد، وأن الشكوى والتذمر لن يزيد الأمر إلا سوءاً!