نتذكر قبل عقود وثيقة كتبها الملك عبدالله إلى (محمد بن صالح بن شلهوب)، وهو أحد أهم رجالات الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وكان يناديه (يا عصابة راسي)؛ تقديراً لأهميته، ومستوى حضوره، حيث كتب في الوثيقه ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم (من عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى الأخ المكرم أبو صالح شلهوب سلمه الله تعالى، وبعد: حنا نبي نظهر بعد الظهر طلبنا منكم قهوة ولا ظهر شاهي ولا هيل وحنا خالين من الهيل والشاهي. وباقي لي عندكم ثلاثة أصوع هيل وثلاثة شاهي من قبل أن يذهب الشيوخ ولا هو بواجب منك يا أبا صالح. وحنا نسأل ابن مسلم يقول مافيض عليّ شيء. واليوم حنا معتازين ولا لكم عذر في شيء عندكم، وحنا لو نبي منك دون مأمورية، وعسى الله يطول عمر عبدالعزيز ويسلمه). كلمات بسيطة في تقدير طلبها، وشدة احتياجها، لكنها تكشف في عمق دلالاتها خط الفقر الذي كان في أسفل حضوره في البلاد عند بداية التأسيس، وكيف أن المعاناة مناصفة بين المواطن البسيط الذي يقتات على ألمه، وبين ابن الملك الخالي من الهيل والقهوة، ويصرح بمعاناته (حنا معتازين)، بل وأكثر من ذلك (باقي لي عندكم) وكأن الأمر لا يتحقق إلاّ بالتوازي، و»سلف ودين».. هذا المقطع من الوثيقة رسالة يحملها «عبدالله بن عبدالعزيز» إلى أبناء الجيل الحالي من أن الفقر لم يمنع الرجال الأوفياء والصادقين من بناء حلم الدولة. وحين نسترجع النص بمفرداته، وأسلوبه.. فابن الملك عبدالعزيز لم يكن يتعامل مع أحد أهم رجال والده، ووطنه بأسلوب الأمر القابل للتنفيذ الفوري، أو حتى قوة التنفيذ، والتهديد، ولكنه أسلوب رقيق يكشف معدن الرجال حين تخاطب الرجال، وصدق النفوس حين تتعامل مع الآخرين.