عشت مع النجم الراحل مناسبات عدة في فترة نجوميته القصيرة كان آخرها في مناسبة فنية في القاهرة وقبلها في مشاركته ضيفا على مهرجان الفجيرة المسرحي للمونو دراما الأخير في الفجيرة في يناير الماضي الذي صادف موعد إقامته ذكرى يوم ميلاده فاحتفت بمولده إدارة المهـرجان وضيوفها النجوم من مصر سامح الصريطي وهاني رمزي وعزت أبو عوف وهالة فاخر وفتحي عبدالوهاب وكان من بينهم أيضا عبدالحسين عبدالرضا وغيرهم الكثير وذلك عقب إحدى ندوات المهرجان. وقبل ذلك في مشاركته في حفل سحور (m b c) في دبي رمضان قبل الماضي .. دوما كنت أجده الفنان الكبير بالروح البسيطة الأكثر روعة وبوجه المحب للكل فهو الذي تكاد أن تقرأ من جبينه كل مافي دواخله، للقاءاتي معه قصة ليست لها حدود، ففي بداية لمعانه كنجم في العام 2007 في صيف القاهرة من خلال فيلمين هما «هي فوضى» و «حين ميسرة» حاولت كثيرا أن ألتقي به، لم يرد على كل الاتصالات والرسائل التي كانت تقول له إنها من صحافي من المملكة وعلي أن ألتقي به لصالح جريدتي، لم أحبه لعدم الرد ــ ولا أقول كرهته ــ في شخصه وفنه رغم علو كعبِه كاسم في الحياة الفنية، ولكن فيما بعد علمت كل شيء عنه وعن شخصه، إنه من نوع النجوم الذين يعملون فقط ويريدك أنت كإعلامي أو كناقد أن تقوم أعماله واسمه ونجوميته لا أن تسأله ويجيب، شخصية خالد صالح النجم المتصاعدة نجوميته بشكل سريـع لتعويض ما فاته من الضوء وتحقيق الأحلام في الفن كانت جد إنسانية إذ عمل كثيرا منذ قبل العام 2000 بل ومنذ مراحل الصبا والشباب في الجامعة ومسرح الهناجر.. المتتبع لحال خالد صالح وحياته كإنسان يعرف أنه ليس هناك نجم حقق أشياء كثيرة شكلت طموحاته العديدة في الفن والحياة في فترة قصيرة، كما فعل النجم خالد صالح السينمائي الذي رحل عن دنيانا فجأة بينما كانت مباضع الجراحين تتعامل مع قلبه في ثالث جراحة للقلب الواهن الساكن في قفصه الصدري في أسوان جنوب مصر بعد مرض قلب صاحبه نحو عشرين عاما، واصل وعمل إلى أن نحل جسمه ولكنه لم يكن ليحب يوما أن يتعامل معه الناس والمحيط الفني على أنه مريض. عجيب هذا الرجل وعجيبة هي تصاريـف الحياة معه، فنان كبير إلى أخمص قدميه عشق الفن وأراد لنفسه أن يكون شيئا ما .. في حياة الفن وتحديدا في المسرح مخرجا وممثلا ، وكان له هذا بعد سني عمل وجهد وأمنيات طوال عندما صادفته النجومية في مسلسله «الريـان» ومن ثم كانت لمعته الفعلية والانتشار من خلال السينما في عملين عرضا معا في صيف 2007 «حين ميسرة» الذي ولدت معه نجومية الشاب عمرو سعد مع النجمة سمية الخشاب الذي كان فيه ضيف شرف، إلا أن البطولة المطلقة كانت له في «هي فوضى» الذي بدأ إخراجه العتيد في الفن السابع يوسف شاهين وأكمله ابنه بالتبني السينمائي إن صح التعبير خالد يوسف وعن هذا يقول النجم سامح الصريطي : • رحمه الله هو نجم وفنان مكتنز بالإبداع إلا أنه للأسف لم يرد الله أن نأخذ منه إلا ما أخذناه رغم عظم موهبته، كما أن رحيله مبكرا كان خسارة لنا في الوسط الفني لقد استطاع في فترة وجيزة بجهد وصدق وإخلاص أن يجمع قلوبنا جميعا باتجاهه، فعلى المستوى الإنساني كان خالد صالح من أكثر الناس خلقا وتهذيبا في تعامله مع الجميع. لكن هذه النجومية التي أحرزها الراحل خالد صالح في عمره القصير كإنسان ( 23/ 1/ 1964 القاهرة ـــ 25/9/ 2014 أسوان ) من حياته القصيرة جدا مع النجومية ( 1996 ـــ 2014) أيضا لم تكن قادمة عليه أو إليه ببساط من الراحة والمصادفات أو التمنيات وغير ذلك من العوامل إذ إن الشقاء الاجتماعي الذي قابله منذ أن أطل فتى يتيما فقد أمه وهو في السادسة من عمره ولم يهنأ بها راعية لطفولته بعد أن كان قد فقد والده وهو لما يزل يحبو في أشهـره الأولى رحمهما الله. وعن هذا يقول أقرب أصدقائه في الوسط الفني الذي كان ملازما له في المستشفى قبل وفاته الفنان طارق عبدالعزيز الذي تزامل معه في كلية الحقوق في جامعة القاهرة وفي مسرح الهناجر في دار الأوبرا : • كنا مجموعة ترافقت طويلا منذ الدراسة ثم انتقلنا إلى مسرح الهناجر معا الراحل خالد صالح وخالد الصاوي ومحمد هنيدي وممدوح مداح الذي برع في كثير من الاتجاهات فهو الممثـل والشاعر والمطرب وأحمد ثابت والمؤلف أحمد عبدالله وهشام منصور، كنا نحن البرتيتة والمجموعة المسرحية في مسرح كلية الحقوق ثم في الهناجر وكان ينضم إلينا من خارج مجموعة الجامعة الزميلان محمد سعد و عمرو عبدالجليل . ويضيف الفنان طارق عبدالعزيز قائـلا : رحم الله أخي خالدا لقد كان لا يرد أحدا يحتاجه في شيء وعلى وجه الخصوص في ماديات الحياة إذ كم تحمل نفقات علاج مرضى ممن يقصدون شهامته ومنهم محتاجون لإجراء عمليات القلب المفتوح وهو الذي أجرى ثـلاث عمليات للقلب المفتوح وكانت ثالثتـها هي التي تسببت في رحيله، كما أنه رمم الكثير من المقابـر للأفراد والجماعة، لم يكن يحب أن يعرف أحد بذلك في حياته، على العموم كان هو استاذ مجموعتنا لقد تعلمنا منه الكثير في الجامعة والحياة لاسيما أن له فلسفته الخاصة في الحياة التي ملؤها التسامح. أحب أن أقول هنا إن ما يراه العامة وما تعودناه هو أن يورث الآخرون لأبنائهم حب الناس، بينما كان صالح هو من ورث لنا نحن أصدقاءه حب الناس والعمل الخير. ومن آخر أعماله الخيرة وأهمها زياراته للمستشفيات ودور العجزة وغيرها في كل دولة تأخذه إليها قدماه أو ظروف عمله الفني وكان آخرها زيارته لمستشفى سرطان الأطفال في السودان. صداقته وزمالته مع خالد الصاوي أثمرت منذ البدء فيلم «الحرامي والعبيط» وعملا كمساعدين في الإخراج إلى أن تميزا». • ويقول نقيب السينمائيين في مصر ورئيس اتحاد الفنانين العرب الفنان مسعد فودة : حب هذا الفنان الجميل تجسد في حضوره وفي الغياب إذ لم أر مثـل ذلك الحشد من النجوم في تلقي العزاء فيه كل الطرق أغلقت في باحات جامع عمر مكرم أثناء تلقي العزاء، الكل كان مجمعا على طيبته وتعامله بقلب جميـل مع الناس ومع الحياة، الأمر الذي جعله نجما في حياته ومماته رحمه الله. وقال عنه صديقه الفنان الكوميدي سليمان عيد : • كنت قد رشحته عند طارق العريان وأحمد السقا لفيلم «تيتو» وكان يستمع إلى ترديدي من يوم لآخر عن أمنيتي أن أقوم بعمل تراجيدي الطابع يخرجني من دائرة الكوميديا التي لا يضعني المخرجون إلا فيها رغم إيماني بمواهبي المتعددة، فكان رحمه الله من سعى لتحقيق أمنيتي بتجسيد دور تراجيدي لأغير من جلدي فرشحني لدور في «موعد مع الوحوش» مع المخرج أحمد عبدالحميد. خالد شخصية قلما يجود الزمان بها. وتقول النجمة عفاف شعيب : • تعرفت عليه في رحلة عمل وتكريم فني إلى أسوان، واحترمته كثيرا لما وجدته فيه من التزام كبير في أداء الصلوات وفي المسجد حيث لم يقطع عمله الفني التزامه هذا، وعندما سألته عن مداومته هذه قال لي: وما الإضافة في هذا والجديد، كلنا يجب أن نكون في المسجد وقت الصلاة. وقال عنه النجم أحمد السقا : • إنه ابن عائلة مصرية وطنية وله من اسمه نصيب، أستطيع القول إننا عندما كنا نصور معا في فيلم «الجزيـرة 2 » آخر أعماله كنا نفهم بعضنا البعض بالعين فقط أثناء التصويـر ، ثم إنه من الذين يحتوون الكل بخلقه النبيل، إنه بار بأهله وبالآخرين. بعد وفاة والديه وهو آخر وأصغر أبناء العائلة ولأشقاء عديدين تبنى رعايته أخوه الأكبر «إنسان صالح» الذي توفي بدوره منذ أربـع سنوات، وهنا يجيء دور الدراما في العائلة مجددا حيث يتكفل النجم خالد صالح برعاية ابن أخيه «عمر إنسان صالح» ، وكان أيضا أخوه محمود ممن وقفوا على رعايته في صباه إلى جانب إنسان صالح، وفي حياة خالد صالح أنه عمل في كل شيء من أجل أن يواصل فنه ويكون في نفس الوقت أسرة سعيدة بعد زواجه من الدكتورة هالة زين الدين التي كانت تناصفه الصدق والإقدام في الحياة، ويذكر عنها أنها ممن تصدين لعلاج حالات الطب الميداني في ثـورة 25 ينايـر وعلى وجه الخصوص في موقعة الجمل ، «لهما من الأبناء .. أحمد وعلياء» .. وكان من أحلام خالد صالح أن ينجح مشروع عمل له مع أخيه إنسان صالح «محلات حلواني» مثل الحلواني الشهـير عبدالقادر في مصر إلا أنه لم ينجح حيث شغله الفن والإخراج المسرحي وغيره مثـل مواعيد التصويـر عن شراكته مع أخيه في المشروع فأقصاه أخوه عن المهمة لعدم التزامه بالمساهمة في إنجاح المشروع والوقوف عليه ــ ومن المصادفات أن يتوفى أخوه إنسان أيضا بسبب القلب ــ .. والمهم هنا أن خالد صالح عمل أعمالا شريفة عديدة في سبيل أن ينجح في حياته منها المحامي ومنها سائق تاكسي إلى أن اضطرتـه الظروف للسفر إلى الكويت في نهاية السبعينيات للعمل هناك وصادف أن عمل وهو دون العشرين في المسلسل الكويتي «إلى أبي وأمي مع التحية» في جزئه الأول، لكنه ما لبث أن عاد ليلتحق بجامعة القاهرة. • وفاته ــ رحمه الله ــ كانت في أولى «الليالي العشر المباركات» حيث جيء بجثمانه من أسوان يوم وفاته الخميس ليصلى عليه في الفسطاط مصر القديمة جامع عمرو بن العاص فجر الجمعة الثاني من ذي الحجة وليدفن في مقابر الإمام الشافعي. رحم الله فناننا الكبير. • من أشهر وأهم أفلامه : عمارة يعقوبيان، أحلام حقيقية، الريس عمر حرب ، جمال عبدالناصر ، النمس ، كرسي في الكلوب ، لبن العصفور ، ميدو مشاكل. ومن أهم أعماله التلفزيونية سلطان الغرام، بعد الفراق ، أم كلثوم ، محمود المصري ، الريـان ، وكان آخرها «فرعون» و «حلاوة روح». ومن مسرحياته «انطويو وكيلو بطة ، الغفير ، فلسطين ، طقوس الإشارات والتحولات».