لم يجعل الله سبحانه وتعالى بابًا واحدًا تلج منه السعادة إلى حياة الإنسان، فما يمكن أن يسعد شخصًا من أمر، قد لا يكترث به شخص آخر، وفي ظني أن أحد تلك الأبواب التي تلج منه السعادة إلى روح الإنسان وحياته هو باب «العلم»، أو ما يمكن أن نُطلق عليه «السعادة العلمية»، أي السعادة التي يكون سببها العلم، فالعالم أيًا كان تخصصه إذا أخلص في عمله وطلب وجه الله، أو على الأقل أرضى ضميره بالقيام بمهمته كما ينبغي، وقام برسالته التعليمية نحو طلاب العلم، فإنه بلا شك تغمره فرحة داخلية لا توصف، ويشعر أنه إنسان مغمور بالسعادة العلمية، والأستاذ الذي يشرف على طلاب الدراسات العليا، ويتباحث معهم نتائج الأبحاث، ويُوجِّه ويُصحِّح ويبذل جهدًا كبيرًا معهم، بلا شك أنه يشعر بسعادة قلبية تملأ عليه جوانحه، والباحث الذي يقرأ ويُراجع ويُصمِّم تجاربه، ويحضر لقاءات ومؤتمرات تجده في نشوة من فكره وفرحة من عمله تجعله ممن يشعر بالسعادة، ومن يقوده علمه ودراساته إلى الوصول إلى اكتشاف أو اختراع أو علاج أو إلى فتوى شرعية جديدة مبنية على جهد بحثي أو حل معضلة اجتماعية أو وضع تصوّرات اقتصادية أو أي عمل وشيء جديد يفيد الناحية الإنسانية، فإن الفرحة لا تسع صاحب ذلك الإبداع والسعادة لا تتركه، كل ذلك وغيره كثير من عطاءات العلم يمكن أن تكون سببًا في السعادة، ويمكن أن نطلق عليها السعادة العلمية. إن من ألذ السعادات التي تضفي على الروح والنفس والحياة انتعاشًا وبهجة وسرورًا؛ هو آثار العلم الإيمانية، وأريد هنا أن أنقل صورتين علميتين، أولهما ما سجّله علماء البيولوجيا البحرية من أصوات تخص الحيتان في عمق البحار والمحيطات، ويُرددونها بطريقة لها دلالاتها البيولوجية والمعنوية، وهم بعد سمعهم لها يُحاولون أن يقتربوا من تفسيرها من خلال الأجهزة وترجمتها عبر متخصصين في لغة الحيوانات، فهل تكون تلك الأصوات شيء من التسبيح لله كما قال تعالى: (وَإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)؟، أو هل تكون شيء مما أخبر عنه الرسول الكريم في الحديث الصحيح عندما امتدح العلم وأهله فقال عليه السلام: (حتى الحيتان في البحار تستغفر لمعلم الناس العلم)؟.. أما الصورة الثانية فهي ما تم من دراسة على بعض أنواع الزهور والورود، وكيف أنها تتجاوب في تفتّحها مع كلمات الأذان وبطريقة تلقائية، فهل هذا التجاوب تجاوب تسبيحي؟، قد تكون الإجابة بنعم، فذلك مما يثلج الصدر ويشرحه لإظهار أمر الله ويدخل السعادة على النفوس بالنسبة للمسلمين، أما غير المسلمين فإن أي ملاحظات علمية مُحيّرة وجديدة تجعل من العلماء في حالة سعادة لمعرفة واكتشاف ذلك الجديد، وهي في نفس الوقت قد تقود البعض إلى الله والدخول في دينه، وليس هناك سعادة للإنسان أكبر من سعادة النطق بالشهادة (لا اله إلا الله - بطاقة دخول الجنة)!! وقد تكون الإجابة بلا، فيستمر العلم بالبحث والتنقيب ويستشعر كل عالم وباحث قدرة الله، ويتفاعل مع إيقاعات ما يمكن أن يكتشف، مما يجعل النفس أكثر إشراقًا وسعادة، فالعلم للمسلم وغير المسلم تتحقق عنه سعادة ورضا نفسي، ولعل ذلك يدخل ضمن الرفعة بالرضا عن العمل في قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ).