أتساءل: هل فاتت فرصة التقاء الجامعات الناشئة مع واقع تنموي وبيروقراطي في مناطق الأطراف لتنجب لنا حقبة جديدة من الفكر التنموي المتقدم؟ أم أن الثاني ابتلع الأول وكان يا ما كان؟ أم أنه ما زال في العمر بقية؟! تحدث كثير من المهتمين عن واقع الجامعات الناشئة، وهنا حديث معزز لما ذكر وفي نفس الاتجاه. عندما بدأت الجامعات الناشئة كانت تحت مظلة (الجامعة الأم) من الجامعات المستقرة، وهنا بدأ إشكال يشتكي من أثره الخريجون الجدد من الجامعات الناشئة، يتمثل في غياب أو قلة وظائف الإعادة لأبناء المنطقة وذهابها لآخرين من مناطق أخرى ينتمون أساساً للجامعة المظلة! وحيث إن مناقشة هذا الأمر قد تفتح باباً عن المناطقية السلبية، إلا أن السؤال مشروع عن (الحصة التنموية) في خطة الجامعات الناشئة، ولأن الوطن واحد ويخدمه أبناؤه في كل مكان فإن المطلوب الآن من وزارة التعليم العالي مراجعة الأمر ووضعه تحت رؤية واضحة، مع ضمان أن من يعود من الابتعاث على هذه الوظائف يبقى في الجامعة الناشئة مهما كانت منطقته الأصلية، ضماناً لعدم تفريغ الأطراف من الكوادر المؤهلة كي لا نبقى في نفس الدائرة التي رسمتها تنمية منحازة سابقاً. أمر آخر يتعلق بالكليات الجامعية في المحافظات الصغيرة التي ترفع شعار إحضار التعليم للناس وتجنيبهم مشقة السفر، وهذا شعار تنموي صادق لكنه مخاتل وفق أدبيات المرحلة التي تقتضي تعليماً جامعياً يصب في خدمة سوق العمل لا تخصصات تفاقم من البطالة، اللهم إن كان لدى التعليم العالي ظن غالب بأن مجتمعنا يدرس من أجل العلم فقط، فهذا لعمري فتح جديد وسبق من الوزارة في استقراء المجتمع. ومن المجازفات في المحافظات فتح فروع للكليات الطبية المساعدة كالمختبرات مثلاً في محافظة يعاني مستشفاها –محل تدريب هؤلاء الطلاب- من إخفاق مهني وتخلف فني، ليمضي الأمر على طريقة السيد (عبدالمعين)! ثم لنسأل بعد سنوات كيف تراكم هؤلاء؟ وما سبب سوء تأهيلهم؟ ولماذا سكتت الجهات المختصة عنهم؟ إنه نفس خطأ خريجي الدبلومات الصحية! بعد مضي 8 سنوات تقريباً من بدء الجامعات الناشئة لم يفتتح أي مستشفى جامعي، وما زال تدريب طلاب الطب في مستشفيات وزارة الصحة وغيرها، ولهذا أثر سلبي. إذاً توجد عوائق كثيرة، وتستطيع قلة من الطلاب والطالبات التفوق على هذه الظروف، أما البقية فإنهم يعانون من إشكالات كبيرة في تدريبهم، وأود محاكمة وزارة التعليم العالي على ازدواج معاييرها، فهي تقنن الابتعاث الخارجي عند التكدس في بعض الجامعات، بينما ما زالت تقبل بتوسع في كليات الطب، ليتكدس الطلاب في مستشفيات الصحة مخلين بضوابط التدريب والمهارات السريرية. يبدو أن هم وزارة التعليم العالي هو الاستيعاب العددي دون النظر في المخرجات النوعية، وهذا تفكير مضاد تماماً لطبيعة واحتياج المرحلة التي يمر بها الوطن، وتشجيع غير مباشر على الشهادات الوهمية أو لنقل (التأهيل الوهمي)!