تأخذنا الحياة بألوانها المتعددة فترسم لنا مسارات مختلفة زاهية مشرقة بألوان الطيف. تسير الأيام والشهور والسنين، نعمل جاهدين في اختيار الألوان التي سنقوم بمزجها وتركيبها في رحلة الحياة لنبتكر لوحة أعمارنا. نحاول إتقان تلك اللوحة ونعمل على أن نجعلها أكثر دقة ووضوحاً، نحاول أن نختار اللون المناسب ودرجته وقوته، نصيب ونخطئ، ولكن نستمر في المزج والتركيب إذا لم يرق لنا اللون استمررنا في عملية التلوين واخترنا ألواناً أخرى بتركيبة أخرى ليس بالضرورة أن تكون أفضل من سابقتها ولكن راقت لنا في ذلك الوقت فاستخدمناها لنكمل اللوحة. نحاول أن نشعر بالرضا عنها، على الرغم من أننا في أحيان كثيرة نتراجع ونقول ليتنا استخدمنا ألواناً أكثر بهاءً وإشراقاً، ولكننا نكمل التلوين فهذا اللون أجمل وذاك اللون أكثر رونقاً وجمالاً... تشغلنا الحياة ونستمر في ابتكاراتنا الألوانية فتتداخل علينا الألوان ويصبح التمييز بينها صعباً نتخبط وربما نصاب بعمى الألوان فنصبح لا نرى سوى الأبيض والأسود. نصاب بالخيبة والشعور بالفشل والاكتئاب. نتوقف عن التلوين فتسير الحياة بلا ألوان، بلا معنى، بلا إشراق، وبلا روح، نركن اللوحة جانباً ونسير، لا يهم إلى أين تأخذنا الحياة بدون ألوان، نمضي في عمانا مغيبين ونقول هذا قدرنا. إن الحياة بدون ألوان هي صراع من أجل البقاء، هي انعدام السلام الداخلي مع النفس، هي انعدام السلام والتسامح مع الغير، فمن لا يتصالح مع نفسه لا يمكن أن يتصالح مع غيره. إن عدم رضانا عن مزج ألوان حياتنا الذي اخترناها وبأيدينا لا يعني أن نيأس ونصاب بعمى الألوان، فربما تكون هي الشرارة التي تقودنا إلى عالم الرضا عن النفس والسلام مع النفس وبالتالي الرضا والسلام مع الآخر. فلنعود إلى إشراقة ألوان الطفولة ونقاوتها حيث قوس قزح في أبهى ألوانه، لم تتداخل صراعات الحياة وتقلباتها لتغير من إشراقة الألوان وزهائها ورونقها. إن العودة لإشراقة الألوان وإكمال لوحة الحياة تنبع من داخل النفس، من أعماق الوعي الداخلي، في محاولة التأمل في بذرتنا الداخلية، بذرة الوعي، لنعمل على تنقيتها من الرواسب التي تراكمت على مر السنين ونصقلها ونطهرها، لتعود للمعان والإشراق والتألق. تصبح بعد ذلك ألوان الحياة أكثر بهاءً وأجمل مما كانت عليه في السابق. فلننهض ونكمل لوحة الحياة، لا يهم أين توقفنا وما هي الألوان التي استخدمناها في السابق، فإضافة ألوان أكثر إشراقاً ولمعاناً سيجعل اللوحة أجمل والأهم من ذلك سنكون أكثر رضا عن أنفسنا وعن من حولنا. إن السلام ينبع من داخلك من أعماق وعيك، فالتدريب على السلام الداخلي مع النفس يقود إلى السلام والحب والتسامح مع الآخر. تستغرب المفاهيم الشيطانية التي تم تلويث الطبيعة البشرية بها من عنف وإجرام وكره وحقد وعداوة على الرغم من أن جميع الأديان بدون استثناء تدعو للسلام والمحبة والرحمة، وباسم الدين أيضاً هناك من يتنكر بلباس ديني، ولكنه يملك قلباً شيطانياً فيدعو للحرب والبغض والقسوة وشتان بين المعنيين. البسوا لباس السلام والمحبة فالله السلام (أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، أكملوا لوحات أعماركم، أبدعوا في اختيار ألوانكم لتصبح حياتكم أكثر إشراقاً وتألقاً وجمالاً. فهذا لون السلام وذاك لون المحبة وذاك لون التسامح ولا يخفى علينا لون المغفرة والرحمة فلنبدع في تلوين لوحة «السلام والاطمئنان» لنعود إلى بارئنا وقد علقنا لوحتنا وهي نقية طاهرة تنضح بالحب والإيمان، فيصح علينا قول العزيز الكريم {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.