أهم موضوع في قطاع الطاقة في العالم في الوقت الحاضر هو انهيار أسعار النفط العالمية. وبالنسبة للبلدان المنتجة الكبيرة مثل روسيا أو إيران أو حتى السعودية، فهذه تعتبر أخبارا غير مريحة وتبعث على القلق. ما مدى سوء الوضع؟ الرسم البياني المرفق بالتحليل ونشرته مجلة الإيكونومست، يدرس نقاط التعادل لبلدان مختلفة (إيران وفنزويلا ونيجيريا والعراق وليبيا وروسيا والسعودية وعمان والكويت). وجميع هذه البلدان تعتمد بصورة مكثفة على إيرادات النفط من أجل ميزانياتها الداخلية – بالتالي حين تهبط الأسعار دون نقطة التعادل، تبدأ الحكومة في الدخول في منطقة عجز الميزانية. وفي مطلع 2014 كانت أسعار النفط أصلا دون نقطة التعادل بالنسبة لإيران وفنزويلا ونيجيريا والعراق. لكن الآن في الوقت الذي تهبط فيه الأسعار إلى ما دون 90 دولارا للبرميل، فإنها تهبط إلى ما دون نقطة التعادل بالنسبة لكل من ليبيا وروسيا والسعودية. وأظهر تحليل تفصيلي لثلاثة بلدان رئيسية، هي روسيا وإيران والسعودية نشره المختص النفطي براد بلامر على موقع vox المتخصص في متابعة أسعار النفط في الأسواق العالمية إن الاقتصاد الروسي يمكن أن يعاني متاعب خطيرة، واقتصاد إيران في حالة تغير وتقلب مستمر؛ فيما يبدو أن السعودية أكثر هدوءا وتفاؤلا بخصوص هذا الوضع. هبوط النفط يسحق الاقتصاد الروسي يؤكد التحليل إن روسيا تعاني أصلا النمو الضعيف – حيث كان الاقتصاد الروسي في سبيله إلى التوسع بنسبة 0.4 في المائة فقط في عام 2014. ويعود بعض السبب في ذلك إلى استمرار الأزمة في أوكرانيا (لاحظ أن اقتصاد أوكرانيا شديد الارتباط مع الاقتصاد الروسي)، وبعضه الآخر إلى العقوبات الغربية. وكانت روسيا تعول على سعر نفط بحدود 100 دولار للبرميل في ميزانيتها لعام 2015. لكن الهبوط الحالي في أسعار النفط العالمية يجهد، أكثر حتى من قبل، الاقتصاد الروسي. تشكل إيرادات النفط نحو 45 في المائة من ميزانية روسيا، وقد افترضت خطط الإنفاق الحكومية أن الأسعار ستظل ثابتة عند حدود 100 دولار للبرميل. إذا استمر سعر النفط في الهبوط إلى أدنى من ذلك، فسيتعين على روسيا إما أن تسحب من احتياطياتها من العملات الأجنبية (البالغة 74 مليار دولار)، أو أن تقلص الإنفاق المقرر في بنود معينة – وهو أمر أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الماضي إلى أنه ممكن الحدوث. يمكن أن يكون الأثر الاقتصادي أعمق حتى من ذلك كما يقول كليفورد جادي، الاقتصادي لدى معهد بروكينجز، فإن صناعة النفط والغاز في روسيا تساعد على تدعيم الاقتصاد الروسي المعتل بعدد لا يحصى من الطرق غير الرسمية. على سبيل المثال، تواجه شركات النفط ضغوطا لشراء الآليات من المصانع الروسية التي توفر الوظائف في مناطق مهمة في مختلف أنحاء البلاد – حتى لو لم تكن هذه المصانع من أكثر المصانع كفاءة هناك. إنه نظام شبه موجه من حكومة بوتين وكان ضروريا في الحفاظ على الاستقرار. والآن سيتعرض هذا النظام للضغط الشديد إذا واصلت الأسعار هبوطها. يقول جادي "ليس من الصعب أن نتصور كيف يمكن أن يؤثر تراجع أسعار النفط في ميزانية روسيا الرسمية. لكن الأمر الأكثر صعوبة بكثير هو الوصول إلى تصور حول كيف يمكن لهذا التراجع أن يؤثر في ذلك النظام غير الرسمي. في حالة الانقباض التي من هذا القبيل، ستلاقي الحكومة الروسية العنت من أجل أن تتوصل إلى طريقة تضمن بها أن ثروة النفط والغاز ستظل توزع في مختلف أنحاء البلاد". من المعروف أن انهيار أسعار النفط في الثمانينيات أضر بالاتحاد السوفياتي وساعد على الإسهام في انهياره في نهاية المطاف في عام 1991. ويشير جادي إلى أن بوتين أمضى وقتا طويلا وهو يدرس هذا الفصل السابق – وأن من المرجح أنه مستعد لانهيار آخر في الأسعار. أما ما إذا كان بمقدوره أن يتعامل مع هذا الوضع بنجاح، فهذه مسألة أخرى. في هذه الأثناء، قامت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» في الفترة الأخيرة بإلقاء نظرة على التبعات المترتبة على السياسة الخارجية نتيجة الانهيار في أسعار النفط "من غير المتوقع أن تعمل الضغوط الاقتصادية على تغيير جهود بوتين العدوانية في الاحتفاظ بنفوذ قوي في أوكرانيا، وهو أمر يعتبره غير قابل للتفاوض. لكن ذلك يسبب الإجهاد في علاقات بوتين مع النخبة الروسية ومؤسسة الأعمال، وهما ركنان من أركان دعمه السياسي". اقتصاد إيران كان منتعشا قبل هبوط الأسعار بدأ الاقتصاد الإيراني في الفترة الأخيرة في الانتعاش بعد سنوات من الركود (التي يعود بعض السبب فيها إلى العقوبات الغربية الشديدة). وكان صندوق النقد الدولي يتوقع أن إيران في سبيلها إلى تسجيل نمو بنسبة 1.5 في المائة هذا العام، و2.3 في المائة في العام المقبل. لكن كان هذا صحيحا قبل أن تبدأ أسعار النفط في الهبوط – وهو موقف ينطوي على عوامل خطرة ومضطربة. هناك مشكلة كبيرة أمام إيران، وهي أنها تحتاج أيضا إلى أن تكون أسعار النفط أعلى من 100 دولار للبرميل حتى تستطيع تحقيق التوازن في ميزانيتها، خصوصا حيث إن العقوبات الغربية جعلت من الأصعب عليها بكثير أن تقوم بتصدير الخام. إذا واصلت أسعار النفط هبوطها، فربما تحتاج الحكومة الإيرانية إلى تحقيق الإيرادات من مصادر أخرى – مثلا من خلال تجميد مبالغ الدعم الحكومي للوقود، التي يحصل عليها المواطنون الإيرانيون (وهو دائما قرار يثير الاستياء الشعبي، على الأقل على المدى القصير). كذلك لاحظت "التايمز" أن الهبوط في أسعار النفط يمكن أن يغير من مواقف إيران بخصوص سياستها الخارجية "سيعمل الإجهاد الاقتصادي الجديد على إضعاف استراتيجية طهران في التعامل مع القوى العالمية في المحادثات الخاصة ببرنامج إيران النووي. بفضل الانتعاش الاقتصادي، تمكن المسؤولون الإيرانيون من الادعاء أن بإمكانهم تدبير الأمور حتى لو انهارت المباحثات بدون تقديم مزيد من الإعفاءات من العقوبات الدولية". هذه المفاوضات الجارية هي الآن مفتوحة أمام جميع الاحتمالات. تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران التوصل إلى صفقة حول البرنامج النووي الإيراني قبل الموعد النهائي، الذي سيحل في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر). إذا تم التوصل إلى صفقة فعلا، وإذا عرضت الولايات المتحدة وأوروبا بعض الإعفاء من العقوبات، فإن من شأن ذلك أن يساعد على تعزيز وضع الاقتصاد الإيراني. مع أن هذا يمكن أيضا أن يدفع بأسعار النفط إلى الأدنى أكثر من قبل في الوقت الذي تعود فيه إيران إلى السوق العالمية. السعودية تبدو أكثر تفاؤلا في هذه الأثناء، هبطت أسعار النفط الآن إلى ما دون مستوى نقطة التعادل بالنسبة للسعودية، عند نحو 93 دولارا للبرميل. لكن رغم هذا يبدو الزعماء السعوديون أنهم واثقون من أن المملكة تستطيع أن تنجو من هذا الوضع. في الوقت الحاضر، يشير السعوديون إلى أنه لا بأس من وجهة نظرهم أن يتركوا أسعار النفط تنزلق قليلا. من الناحية النظرية، تستطيع السعودية الاستجابة من خلال تقليص إنتاجها الخاص من أجل تدعيم أسعار النفط العالمية. (لاحظ أن السعودية تنتج كميات ضخمة من النفط إلى درجة أنها تتمتع بمكانة قوية وحرية حركة كبيرة في هذا المجال)، لكن بالنسبة للوقت الحاضر، يعطي السعوديون إشارات بأنهم مستعدون للأسعار المنخفضة – وربما حتى لمدة سنة أو سنتين يكون فيها سعر النفط بحدود 80 دولارا للبرميل. أحد الأسباب الممكنة وراء ذلك هو أن السعوديين تعلموا الدرس من منتصف الثمانينيات، وهي فترة هوت فيها أسعار النفط العالمية وحاولت المملكة تقليص إنتاجها المحلي على أمل أن تقوم البلدان الأخرى باتباعها. لكن لم تنضم أي دولة أخرى إلى السعودية، وواصلت أسعار النفط هبوطها على أي حال وعانت السعودية من عجز هائل في الميزانية نتيجة لذلك. لذلك يبدو عليهم هذه المرة أنهم غير راغبين في تقليص الإنتاج بمعدلات كبيرة. هناك زاوية أخرى في هذا الجانب: أعطى المسؤولون السعوديون إشارات بأن الأسعار الأدنى (مثلا عند 80 دولارا للبرميل أو أقل من ذلك) يمكن أن تجعل بعض الشركات المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة في وضع غير مربح وتضطر بالتالي إلى تقليص الإنتاج. سيكون هذا الوضع مناسبا بالنسبة للسعودية، على اعتبار أنه يغلب على نفطها أن يكون أرخص من حيث الإنتاج من معظم مشاريع النفط الصخري في الولايات المتحدة. وإذا قامت الولايات المتحدة بدورها في تقليص الإنتاج، فإن هذا يمكن أن يعمل على استقرار الأسعار. هناك سؤال حول المدى الذي يمكن للسعودية أن تسمح به لهبوط الأسعار دون أن تضطر إلى تحمل قدر كبير من الألم المحلي. في أيلول (سبتمبر)، حذر صندوق النقد الدولي من أن السعودية يمكن أن تعاني العجز بنسبة 1.4 في المائة تقريبا في عام 2015 – خصوصا لأن السعودية كانت تنفذ مشاريع ضخمة في البنية التحتية وتوزيع الأموال في المساعدات إلى بلدان في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة. من شأن هذا النقص أن يكره السعودية على البدء بالسحب من احتياطياتها الهائلة من العملات الأجنبية. حتى الآن يبدو على السعودية أنها على استعداد للجلوس وانتظار ما سيحدث. وفقا لمقال في "فاينانشيال تايمز"، حتى لو هبطت أسعار النفط إلى ما دون 80 دولارا لمدة سنة، فلن تحتاج السعودية إلا لسحب مبلغ لا يتجاوز 20 مليار دولار من احتياطياتها من العملات الأجنبية، وهو ما يمثل نحو 3 في المائة من إجمالي الاحتياطيات البالغ 750 مليار دولار.