لو حاول أحدنا أن يجمع كل ما قيل وكتب عن الأم في الشعر والنثر، ومن كل اللغات لخرج بمؤلف ضخم ربما يوازي حجم سور الصين العظيم. الأم التي كانت الوصايا الدينية في الكتب السماوية ورسالات الأنبياء جعلت لها مكانة خاصة كما جعلت سبل برها والاهتمام بها متعددة مباشرة وغير مباشرة. وهذا بخلاف ما يضمه تراث الأمم من حكايات كثيرة تتحدث عن قلبها وعطائها وتسامحها. ويا له من قلب عجيب تتقلب فيه العاطفة والعقل والرضا والسخط والخوف والقلق على أبنائها. مشاعر غريبة لا تشبه إلا ذاتها ويعجز الواصفون عن وصفها ومتابعة تغيراتها. حتى وإن بدت من تلك القلوب بعض الغلظة في أحيان نادرة، ولكنها الغلظة التي توظف من أجل الرفق والحب سواء عرف هذا الأبناء أم لم يعرفوه وسواء فهموه أم عجزوا عن ذلك فكل ما عليهم هو التسليم به وتصديقه. ليست الأم بحاجة لكلماتي هنا التي قد تضاف إلى ذلك المؤلف الضخم ولكني سأضع أمامكم سؤالاً محيراً: لماذا يحجر كثير من شبابنا اليوم على مشاعرهم ودعواتهم من أجل أمهاتهم؟ ولماذا تكون هي بكل ما لها من مكانة عظيمة في القلوب هي الأكثر عرضه لأقبح كلماتهم وافكارهم؟.. كثيراً ما سمعنا في الشارع أو فيديوهات المقالب التي تكون ردة الفعل الأولى فيها هي الإساءة للأم، وكأن تلك اللعنات أمراً عادياً جداً متقبلاً ومتعارفاً عليه بل كأنه لا شيء فلا العقول تستنكره ولا الآذان تتقزز منه!! فكما تتعالى ضحكاتهم على الموقف تمر عبارة (الله.... أمك) مرور أي مفردة أخرى في اللغة فلا تحرك ساكناً!! غريب أن ترفع الدعوات للسماء من أجل الأمهات طوال اليوم في الرسائل الهاتفية وغيرها من البرامج المكتوبة وفي الوقت نفسه تقاومها عشرات اللعنات التي تنهال على الأمهات لأتفه الأسباب. لعل بعضكم يقول: إن إيذاء الآخر عن طريق شتم أمه هو أكبر ما يمكن أن توجع به من أساء إليك!! فأقول: هو عذر قبيح لا يبرر الذنب الأقبح الذي صار يمارس بتلقائية مقززة في الشوارع والبيوت والمدارس ولم نجد من يتدخل لمنعه أو التحذير منه بل إن المعلم أحياناً قد يتلفظ بها أمام الجميع وهو يسيء لأحد طلابه بالعبرة نفسها!. كل هذا الإساءة اليومية والمستمرة ضد الأم لا تتلاءم مع دورها في حياة كل منا والتي مهما حاول أحدنا أن يرد منه جزءا فلن يفلح. ولربما كان هذا سبب اكتفاء كثير من الأبناء بالحب اللفظي ويغيب عنهم أن الحب لا يترجم إلا بالأفعال. وهي أفعال ترتق في كثير من الأحيان تلك الثقوب التي تخلفها الأحداث في قلوب الأمهات؛ أحداث من أبنائها ضدها، أو أحداث يعاني منها الأبناء في حياتهم فيكون قلبها أكثر ألماً عليهم من أنفسهم فتكاد قلوبهن تتفطر من شدة الحزن بأضعاف ما هم يشعرون حتى في بعض الأحيان التي يكون ظاهر العلاقة بين الأم وأبنائها هو التخلي عنهم!! فيا لقلوب الأمهات التي تصنع من الدمعة المالحة غرفة من عسل تسقيهم إياها حتى لا تشعرهم بما تعاني، ومع هذا قد تلام وينالها شيء من سخطهم فيتنكرون لعواطفهم تجاهها. أو يتعاملون معها كأمر هو تحصيل لحاصل. وإذا كان الحب بالفعل لا باللفظ فليتكم تعملون على إظهار ذلك الحب بوقف اللعنات التي تنهال على قلوب أمهاتكم قال رسول الله: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه).