استيقظت بريطانيا أخيراً على أخبار التحاق بعض شبابها بالمجموعات الجهادية والإرهابية المتطرفة. فهل هي صحوة حقيقية ام هي ردة فعل تحسبا لخلايا نائمة باتت تتحرك ضد مجتمع آمن؟ فمن تابع الصورة الرئيسة لصحيفة "الصن" البريطانية قبل نهاية الأسبوع الماضي يدرك حجم الخطر المنتظر، وحجم الخلل في الهوية البريطانية لهؤلاء الشباب. لذلك جاءت الصورة على اغلبية الصفحة الأولى كغلاف بصري لمجلة وليس لصحيفة "تابلويد"، وكانت الصورة لسيدة بريطانية ترتدي الحجاب المتمثل في علم المملكة المتحدة. وصاحَب الصورة عبارة جادة تقول " حدد هويتك" أو اتخذ الموقف الصحيح تجاه وطنك. والصورة الصحفية لا تمر دون قراءة متعددة وحسب الاحداث وربما الاهواء والمواقف، ولذلك كانت قراءة الصحيفة استباقية للصورة التي نشرتها. فالصحيفة اختارت صورة سيدة جميلة في ملامح اسيوية او مزيج "اوروآسيوي" لتتوجه الى بنات الجالية الإسلامية لكي لا ينجرفن وراء دعوى "جهاد النكاح" وغيرها من دعوات انخراطهن في اعمال تطرف وإرهاب. ففي أسبوع نشر الصحيفة لهذه الحملة وفتح الصفحات التفاعلية للقراء للتعليق على الصورة ولتعزيز الانتماء الوطنير كانت هناك قصة لبنت صغيرة من الجالية المسلمة قد اختفت من منزل اسرتها وأشار الاعلام البريطاني إلى انها باتت في أحضان الجماعات المتطرفة وتحديدا داعش. فبنت الخامسة عشرة وتدعى يسرا حسين اختفت من مدينة بريستول وقد اصابت الصدمة كل من يعرفها، فبعد ان اختلقت حجة تأخرها عن العودة الى المنزل بسبب رحلة مدرسية لم تكشف لاسرتها كيف تاثرت بهذا الفكر؟ واكثر الألم صدر من والدتها واسرتها الذين ستبقى الحسرة في قلوبهم لعدم معرفتهم بالجواب وكيف تم اختراق الاسرة وتفتيتها . ولكن عمتها التي كشفت عن تفاصيل اختفاء البنت مع أخرى ذات السبعة عشر ربيعا اشارت الى نقطة مهمة وهي خطورة امتلاك الصغار للأجهزة الذكية دون متابعة او ملاحظة. فهي اشارت الى ان الصغار اصبحوا على صلة بمن يغرر بهم وبهن عبر "غرف الدردشة" وكأنها غرف الفصول المدرسية او غرف المنزل. ويؤكد هذا التحذير ما افصح عنه عدد ممن غرر بهم من الشباب العربي والسعودي تحديدا حيث أصبحت الانترنت مسرحا للأدلجة الفكرية والدفع الى سلوكيات التطرف. وبالعودة الى تلك الصحوة البريطانية المتمثلة في حملة صحيفة الصن فهي جزء من مجموعة اعمال موجهة نحو الجالية المسلمة لاستعادة الاستقرار لمجتمع يقترب من التمزق بسبب التطرف والعنصرية المضادة، وذلك من خلال برامج تبدأ من الاختراق الى التعامل الإيجابي في المدارس والجيش وغيرهما من مؤسسات المجتمع. ولكن الغائب عن هذا كله هو مناقشة دور الحكومات المتعاقبة من استيراد التطرف ورموزه لبريطانيا ولسنوات طويله . واذكر اني اشرت في هذه الزاوية الى سؤال طرحته على وزير الخارجية الأسبق دوغلاس هيرد ونشرته صحيفة " الشرق الاوسط " قبل زيارة رئيس الوزراء آنذاك جون ميجور للمنطقة حول مغزى استضافة بريطانيا لمن يحمل أفكار تطرف ودعوات عنف، فلم أحظ منه بالجواب الشافي وانما تلميحات لادوات تعزيز السياسة الخارجية لبلاده ودورها الريادي في المنطقة. ولكن ها هي لندن وقد دفعت الثمن غاليا من حوادث تطرف وإرهاب وان كانت في معظمها حوادث فردية لا تنظيمات متطرفة الى الان . ولكن الخطر القادم ان هذه الصحوة الإعلامية المحجبة لسيدة بعلم بريطانيا هي شيء قليل ومتأخر. فالفعل ورد الفعل سوف يؤثران على مفاصل عدة من الحياة البريطانية. فالعنصرية في اوجها كما هو واضح من ردود فعل القراء على حملة " الصن"، او من خلال الجرائم العنصرية التي شهدتها بريطانيا مؤخرا ومنها الاعتداء على المبتعثة السعودية وعلى المواطنات الاماراتيات في افضل مناطق لندن التجارية " ماربل آرش" او مدخل شارع أكسفورد الشهير. ستكون السياحة اول من سيتأثر مع طلاب البعثات والاستثمار العقاري الذي بات أيضا مصحوبا بعمليات نصب واحتيال سيقضي على البقية الباقية من الثقة في النظام المالي البريطاني الدقيق ويشكك في جوانب المتابعة والتوثيق العقاري. والآن ظهرت نغمة جديدة تقودها البي بي سي العربية بمفردها ونيابة عن الغير حول أهمية التفاوض مع داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة وكأنها تريد ان تعيد بريطانيا الى مربع استقطاب التطرف ولم تكتف بما لديها من خلايا نائمة. وأتذكر جيدا كيف أصيب المواطن البريطاني بالخوف والهلع عندما قامت مجموعة من حزب التحرير بكتابة شعارات متطرفة ودعوة لتحرك حاشد في ميدان الطرف الاغر وخاصة على أعمدة الانارة في تسعينيات القرن الماضي خاف الجميع وتأهبت الأجهزة الامنية، ولكن في الوقت نفسه هناك من يشير ليد استخبارية بريطانية وراء هذا الحزب وغيره في إشارة الى فكرة تصنيع "بعبع "التخويف في الداخل والخارج. ولكن من يلعب بنار التطرف سيكون اول من يحترق بها، ومن يمارس اللعبة او يقرب من ملعبها سيكون بيته مسرحا لها . وبرغم ان التاريخ يعلمنا ذلك الا اننا نعرف ان "من استرشد غويا ضلّ" ولكنها الغفلة التي تعيدنا الى ذلك لأن "الغفلة هي أضرُّ الأعداء".