لقد أدرك قادة المملكة منذ تأسيسها أهمية وجود جهاز عسكري قوي وفعال إدراكاً منهم بخطورة الوضع الإقليمي الذي يتميز به موقعها الجغرافي، ولصنع درجة من التوازن وسط محيط إقليمي مشدود تتنازعه الأطماع الدولية والإقليمية، إضافة إلى الدور المناط بها في حماية المقدسات الإسلامية التي تحويها أراضيها باعتبارها أرض الحرمين الشريفين. لقد وجدت المملكة نفسها بحاجة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال الصناعات العسكرية الحديثة، وبما يحتم عليها تحديث جميع قطاعاتها وآلياتها بصفة مستمرة من خلال عقد شراكات طويلة وقصيرة الأجل مع الحكومات المصنعة، كما حتم عليها ذلك وضع خطط مستمرة لتدريب جميع الأفراد المنتمين لهذا القطاع، ولتحقيق ذلك أنفقت المملكة الكثير والكثير، غير أن هذا الإنفاق العسكري له ما يبرره، بل ما يحتمه أيضا، فبخلاف أن المملكة تسعى لصنع توازنات دقيقة على أكثر من صعيد كما أسلفنا، فإن تعزيز الجانب العسكري والأمني هو صمام الأمان لعملية التنمية المستدامة، فما فائدة أن تنفق الدولة المليارات على البنى التحتية وتقيم نظما صحية وتعليمية فعالة، بينما تعجز عن صد أي عدوان ضدها من شأنه أن يستهدف كل ما سعت لإنجازه وتحقيقه على الصعيد التنموي؟ لكن البعض دوماً ما يردد سؤالا ولا أعلم هل يتم ذكره عمدا أم جهلا، وهو ما جدوى هذا الإنفاق العسكري المتزايد إذا كانت المملكة تلجأ دوما في سياساتها الدفاعية إلى التحالفات العسكرية؟ إن التحالفات العسكرية هى استراتيجية عسكرية قديمة قدم البشرية، وإن اتخذت في العصر الحديث أشكالا مختلفة بطبيعة الحال، ففي الحربين العالميتين الأولى والثانية تكتلت كل مجموعة دول ذات مصالح مشتركة وكونت تحالفا يهدف للقضاء على المعسكر الآخر المناهض لها، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين أيديولوجيين متعارضين نشأ حلف الناتو وحلف وراسو، فهل كانت الدول الأعضاء -ومن بينها بعض الدول العظمى- عاجزة عن الدفاع عن نفسها؟! التحالفات العسكرية هى جزء مكمل ومواز لسياسة التسليح العسكري لأي دولة لتحقيق نصر سريع وحاسم، حتى الولايات المتحدة نفسها والتي تعد قوة عسكرية لا تضاهيها أي قوة، لا تدخل حروبا بمفردها أبدا وتسعى دوما لبناء تحالفات تدعمها، ولهذا التحالف أسبابه، أولا: أن الحروب التي تدور بلا تحالفات عادة ما تستمر لفترة طويلة قد تصل لسنوات، نتيجة وجود سماسرة الحروب الذين يسعون لإطالة أمد الحرب لتحقيق أرباح مادية من خلال بيع السلاح لكلا الطرفين، وهو ما يدمر الدول المتحاربة ويقوضها تماما كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية. ثانياً: أن الدخول في التحالفات العسكرية يساعد على تقصير أمد فترة الحرب، ذلك أن الدول المتحالفة ذات الصناعات العسكرية ستجد نفسها ملتزمة بعدم بيع السلاح للطرف المعادي بل تسعى لتشديد الحصار عليه، كما أن تبادل المعلومات الاستخباراتية معها سيطور من قدرات الأجهزة العسكرية وسيعزز خبراتها الأمنية. ثالثاً: ربما تبدو الحرب في بداية كل معركة ظاهريا بين دولتين، ولكنها ما إن تندلع حتى تخرج الكثير من الفئران من جحورها وتنضم للطرف الآخر المعادي، ولقد استوعبت المملكة الدرس جيدا خلال حرب تحرير الكويت، حيث استماتت وقتئذ بعض الدول لجعل حرب تحرير الكويت حرباً عراقية سعودية فقط، في انتظار اللحظة المناسبة لفتح جبهات متعددة ضد المملكة، لذلك فقد شرعت المملكة في بناء تحالف عسكري لتحرير الكويت يحقق نصرا سريعا وحاسما، وما إن أعلنت المملكة عن هذا التحالف حتى عادت الفئران لجحورها تاركة العراق يواجه مصيره المظلم. لقد أثبت التاريخ أن الحروب هى محك تختبر من خلاله حكمة القادة والزعماء، ففي الوقت الذي يندفع بعضهم للقتال مدعين الشجاعة والبسالة، تبين فيما بعد أن تلك المواقف دمرت تلك الشعوب وقلبت حياتها رأسا على عقب، وهو ما حدث مع الكثير من الدول التي تعاني شعوبها الويلات جراء غباء قادتها وانعدام حكمتهم، أما المملكة فلم تنجر بسهولة لأتون الحرب ولم تندفع بحماقة للرد على الاستفزازات التي طالتها على أكثر من جهة وصعيد وفضلت الدخول في تحالف قوى ضمن لها النجاح السريع والحاسم، وأظهر رؤيتها في أن قيادة الشعوب هى أمانة ومسؤولية تحتاج مزيجا من الفطنة والحكمة وتتطلب الكثير من الشجاعة وحسن تقدير الأمور.