أصبحت الصحافة الثقافية في مرمى سهام المثقفين والمهتمين حول أدائها المهني وقدرتها على تقديم رؤية ذات قيمة تخدم المشهد الثقافي السعودي بدلا من تبنيها للصراعات الضيقة وقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع يختار الروائي عبدالله الوصالي أن يبدأ حديثه عن الإعلام الثقافي المحلي بالتفريق بين ما ينشر في المدونات الثقافية والمواقع الإلكترونية وبين تلك الصفحات الثقافية والملاحق الأدبية في الصحف اليومية قائًلا: "بالنسبة للصحف يمكننا القول إن أداءها ضعيف في معظمها ويعزو ذلك إلى التأهيل الثقافي للمحررين الثقافيين الذين لا توجد معايير وضوابط لاختيارهم أو حتى مؤهلات علمية تؤهلهم للانخراط في الوسط الثقافي وقضاياه"، مضيفا أنه بالإمكان رصد الفقر المعرفي لدى المحرر مباشرة بعد إقامة أي فعالية أو أمسية ثقافية حيث تركيزه على الهامش الضئيل من الأمسية مستشهدا بأمسية قصصية أقيمت بأحد النوادي الأدبية فقد كانت الأمسية حافلة جدا بالنقاشات الأدبية والاجتماعية التي أوقدتها القصص بينما تصدرت التغطيات الصحفية كلمة واحدة وهي الأخطاء النحوية وعلى مثلها يمكنك القياس، ويعتقد الوصالي أن المشكلة تكمن في أن الصحفي الثقافي الذي يقوم بمتابعة وتغطيات الأمسيات لا يشتغل بالثقافة إلا ليلتها ومن خلال سماع نصوص ونقاشات يجهل الكثير من مدلولاتها، أيضا من الإجحاف تعميم ذلك فلا شك بعض المشتغلين بالصحافة الثقافية جديرون بالثقة بالرغم من وجود محررين ثقافيين وميدانيين ليست لديهم الملكة والمعرفة الكافية لفرز ثمين الإبداع من غثه. من جانب آخر يذكر الأستاذ إبراهيم محمد السبيعي عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة العامة أنه -ويا للأسف- نفتقد لذلك الصحفي المبدع الخلاّق القادر على سبر أغوار قضايا ثقافتنا المحلية بعيدا عن الشللية والصراعات الجانبية الضيقة والقضايا التي عفى عليها الزمن والتي لا تثري قارئ اليوم والمهتم، ويؤكد السبيعي على أهمية اكتشاف المواهب وتنميتها وصقلها بالتدريب والتجارب؛ نظرا لأهمية العمل الثقافي، معتبرًا غياب المعاهد والأكاديميات التدريبية الإعلامية ستظل تعاني وتفتقد الكثير من المواهب التي تحتاج للتدريب والممارسة وإكسابها الخبرة اللازمة، ويختتم إبراهيم السبيعي حديثه بالتأكيد على أهمية أن يقوم المحرر الثقافي بتوسيع مداركه بالاطلاع على التجارب الاخرى وان يشتغل بجد على ادواته ليطور من نفسه ويواكب المتغيرات المتلاحقة في الصحافة والثقافة بشكل اوسع. أما الكاتبة سكينة المشيخص فترى من حيث المبدأ أن الصحافة السعودية بصورة عامة تضع الشأن الثقافي في آخر تصنيفها الصحفي وللمفارقة تذكر المشيخص في دراسة قدمتها في مؤتمر الأدباء الرابع الذي استضافته المدينة المنورة أن منشأ الصحافة السعودية هو ثقافي بامتياز ولكن ربما تغيرت المفاهيم وتراجعت العملية الثقافية للوراء لصالح الرياضة والاقتصاد والفن فتقول عندما نتحدث عن أطروحات الإعلام الثقافي فإننا في الواقع نتحرك في مساحة ضيقة ومختنقة بعدة إشكالات حول فتح مساحات لائقة للممارسة الثقافية صحفيا، فهي ترى أن الإعلام الثقافي لدينا يعاني التضييق والتهميش مستشهدة بتجربتها خلال إشرافها على الملحق الثقافي بجريدة شمس ناهيك ان السياق العام للأداء الصحفي لا يمكن لهذا النوع الإعلامي أن يكون مؤثرا ومواكبا لنبض الثقافة التي تتحرك بأسرع من الإيقاع الصحفي أي أن هناك فقداناً للهارموني بين الصحافة والثقافة والمساحات المتاحة تحولت إلى بؤر لصراعات وإقصاءات بحسب الاتجاهات والأمزجة الثقافية والصحفية، حيث ترى أن الانزياحات الثقافية في الصحافة قد تسبب للانحيازات الصحفية للمثقفين أو رفضهم، وتختتم الكاتبة المشيخص حديثها قائلة: "بدون موضوعية ومهنية حقيقة لا يمكن لأي صحافة أن تنجز مهمات وأعمالاً مهمة لصالح الرأي العام والوسط الاجتماعي، فالمطلوب مراجعة للأداء الصحفي ثقافيا، فالصراع قد يوجد في كل التصنيفات الصحفية وربما يكون عاملا حيويا في الممارسة لكن لابد من الموضوعية وإلا عجز هذا الإعلام الثقافي تماما عن تقديم رؤى ذات قيمة تخدم المشهد الثقافي والمجتمع بشكل عام".