لا يزال العالم حتى يومنا هذا يتذكر الأزمة الاقتصادية العالمية ويعاني من تأثيراتها السلبية التي عصفت بدول صناعية متقدمة وافلست بشركات كبيرة لم يتوقع خبراء المال والاقتصاد أن تكون من ذكريات الماضي مثل ليمانبرذرز Lehman Brothers الذي كان يعد رابع أكبر مؤسسة مالية استثمارية في الولايات المتحدة، حيث أفلس واغلقت أبوابه أمام زبائنه بعد منتصف الليل في 15 سبتمبر 2008م. وقد عاشت هذه المؤسسة المالية العريقة حوالي 158 سنة، حيث تم تأسيسها من قبل ثلاثة اخوان من عائلة ليمان في عام 1850م. واجهت المؤسسة المالية الإفلاس الكبير في 1929م وتجاوزته، لكنها فشلت في مواجهة تسونامي الأزمة المالية العالمية الأخيرة في عام 2008. وقد كان لإعلان ليمانبرذرز عن إفلاسه صدمة كبيرة على الأمريكيين وغيرهم ممن ارتبطوا بهذه المؤسسة المالية العريقة لقرن ونصف، لكن فجأة لم يعد لها صولة وجولة في عالم الاستثمار المالي. ولقد كان مجال أعمال ليمانبرذرز في الاستثمارات المصرفية (البنكية) والخدمات المالية لذوي الدخل المحدود والتجارة في سندات الخزانة الأمريكية والبحوث وإدارة الاستثمارات وتداول الأسهم. وكانت هذه الشركة المالية تقايض منتجاتها بالقطن الذي كان السلعة المربحة آنذاك، وذلك في بداية التأسيس. وحققت أرباحاً طائلة من تجارتها بالقطن مما زاد من رأس مالها الاستثماري. اندمجت شركة ليمانبرذرز مع اميركان اكبرس American Express لعشر سنوات من 1984 إلى 1994، لكن الطلاق كان نهاية هذه العلاقة التي لم تدم طويلاً لأسباب أهمها عدم انسجام مجال عمل امريكان اكسبرس مع مجال عمل ليمانبرذرز. وكان خياراً استراتيجياً مناسباً للطرفين، بل أصبح في نظر الرئيس التنفيذي لأمريكان أكسبرس منقذاً لبطاقة الائتمان الناجحة من إفلاس ليمانبرذرز في 2008م. وتشير التقارير الحكومية الأمريكية إلى أن ادارة ليمانبرذرز كانت تتلاعب في الشأن المحاسبي لفترة زمنية طويلة لتخفي مشاكلها بتجميل الأرقام للحكومة الأمريكية حتى لا ينكشف لها سوء الإدارة والفساد، لكن الأزمة المالية العالمية كشفت ما كان مخفياً ليتضح الوضع الإداري والمالي المترهل لليمانبرذرز. ولم تحاول الحكومة الأمريكية إنقاذ ليمانبرذرز من الأزمة لأنها تعلم أن وضع هذه المؤسسة المالية متردٍ وغير مأمول به ليتم إنقاذه من أموال دافعي الضرائب. وبالطبع كانت إدارة ليمانبرذرز منكشفة في ما يتعلق بالرهن العقاري الذي هوى بالمؤسسة المترهلة إدارياً ومالياً. حاولت إدارة ليمانبرذرز التفاوض مع كل من بنك اوف اميريكا وبنك باركليز لشرائه لكنهما رفضا العرض لما لذلك من مخاطر كبيرة عليهما مما ضغط على الإدارة لتطلب من الحكومة الأمريكية إشهار الأفلاس من الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي، وذلك لمنع أي ملاحقة قانونية مالية من الدائنين والمستثمرين. الدروس والعبر للبنوك السعودية من إفلاس ليمانبرذرز كثيرة وأهمها أهمية الإدارة الشفافة التي تقرأ كل شيء خارجها لتعرف المخاطر والفرص وأي شيء داخلها لتعرف نقاط ضعفها وقوتها. أيضاً تستفيد البنوك السعودية من أهمية الحكومة الصارمة التي لا تسمح بالفساد وسوء قرارات الإقراض للإدارة الضعيفة المجتهدة.