استعذبتُ التعريج بين حين وآخر على مرحلة التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، حيث كل خطوة ادارية يلزمها انحناءات واحترام بل وثمن. وقد لا تتحقق عملية إفراغ أو رهن عقاري دون ذراع طويلة، أطول من الرافعة التي تنقل المواد إلى الأدوار العليا في المباني المرتفعة. تكاد تكون قاعدة مسلّماً بها أن يستقطب بعض أكابر تجار العقارات ضابط إقرارات بعينه في بعض كتابات العدل ليتولى كل ما له صلة بتلك الشخصية. أقول كاتب ضبط حتى لا أصل إلى كاتب عدل أو رئيس محكمة. وتأكدتُ من وجود كُتاب ضبط مرتبطين بالبنوك فيما يخص الرهن العقاري. والبنك عادة يوجّه عميله إلى اسم بعينه. وحاشا أن أقول إن كاتبي الإقرارات مزورون، وكذلك موثقي الرهون العقارية، لكننى ارى احتمال وجود " فنيّة " التعجيل بالموضوع، أو حتى الوصول إلى منزل الراغب بالإفراغ، وإعادة الصكوك كاملة غير منقوصة إلى منزل من لا يستطيع الصبر وتحمّل مشقة المراجعة. زمن الطفرة ذاك في ذهن بعض المتتبعين وأنا منهم كان زمنا حالك الضباب حيث زادت النقود بشكل غير متزن بأيدي أناس، وتسبب هذا في نقصها عند أياد أخرى. وصاحَب هذا، الرفع من المستوى المعيشي وزيادة التضخم، وصعوبة حل الأزمات العالقة في المجتمع، وعلى رأسها الفقر والبطالة وندرة السكن وغلاء المتوفر منه. ولنقل دون تحفظ ولا مجاملة إن تلك الفترة فسحت المجال للاعوجاج والانحراف بل والعفَن الذي اخترق المجتمع بمؤسساته وتجارته وبيعه وشرائه ونهجه الإداري والعملي. مرّت تلك الفترة العمياء. وبعدها رأينا المجتمع يتلمس طريقه (كحاطب الليل) يناشد أهل الخير والصلاح وأهل النفوذ بالبدء (ولو متأخرا) بالتماس وطلب وتشجيع مقاومة الفساد الإداري. وكتبتْ الأعمدة الصحفية تنظيرات قالت لمقدمة ابن خلدون (قومي وانا أقعد بمكانك). وجاء المصلحون – جزاهم الله خيرا – ببوصلات جديدة ووسائل اهتداء قد تقود إلى الهدي والرشاد إن شاءالله . لكنني أعود لأقول إن السداد والصلاح والصواب نبتات لها بذور وقد أهملناها عشرة عقود في الهجير والظمأ، ولم نعطها حقها من استحقاقها من الإرواء. وربما يتأخر جني الثمار.