السعوديون يعشقون الإنترنت، هذه ليست مجرد ملاحظة عابرة يمكنك أن تستنتجها من مراقبة ضيوفك في مجلس العيد، وهم يسرحون بعيداً بأفكارهم وعيونهم عبر أجهزتهم الذكية، ويتجاهلون اجتماعهم في مناسبة مهمة مثل يوم العيد؛ بل هي حقيقة علمية أثبتتها دراسات واستطلاعات عديدة أجمعت على أن نسبة استخدام السعوديين للإنترنت هي الأعلى عربياً ومن ضمن أعلى المعدلات عالمياً، ومعظم الوقت الذي يمضيه السعوديون على الإنترنت يقضونه في مواقع التواصل الاجتماعي، التي شهدت إقبالاً يتزايد مع مرور الوقت وبنسب عالية جداً. ترى ما الذي يفعله السعوديون على الإنترنت؟ و لماذا يقبلون عليه بهذا النهم اللافت؟ وهل الإقبال عليه مطلب حيوي أم يدخل في باب الترف وتمضية الوقت؟ الإجابة اليقينية على تلك الأسئلة تحتاج إلى دراسات علمية يجريها علماء الاجتماع، لكن يمكننا أن نشير إلى مدخل تاريخي ربما يساعدنا في تفسير هذا الإقبال؛ كانت بداية انتشار الإنترنت في السعودية بعد عقد من حادثة حرب الخليج وما أفرزته من تغييرات كبيرة في وعي الناس وتفكيرهم، وما رافقها وتبعها من صدمات هبطت بمستوى الطموحات الشعبية على المستوى السياسي والقومي والعسكري والاقتصادي وحتى الديني. جدل كثير رافق تلك الفترة ولم يعط حقه الكافي من التوثيق والبحث، وعرفت الأجيال الجديدة لأول مرة كلمات من نوع قوات أجنبية، وعدو غاشم، وشيخ محرض ومعارض سياسي. وكل ما تحمله تلك المصطلحات من دلالات شديدة العمق والتأثير في وعي جيل يتشكل، ثم بعد ذلك بسنوات عشنا فترة الأزمة الاقتصادية والركود المعرفي والثقافي الذي استمر لسنوات طوال أيضاً بسبب تداعيات تلك الحرب، خلال تلك الفترة كان هناك جيل جديد يتشكل ويطرح أسئلته ويبحث عن أجوبة ويبني رؤيته وفكره ويوزع ثقته وانتماءه بين تيارات متعددة، بعدما أخفق الإعلام الرسمي وفشل في ذلك الوقت فشل فشلاً ذريعاً في طرح إجابات مقنعة أو الارتقاء لمستوى الوعي الجديد. ذلك الجيل كان يبحث عن نافذة يحقق من خلالها تواصله مع العالم الحقيقي النابض بالحياة والحركة لا ذلك الباهت والجامد الذي تصوره له الوسائل الرسمية، وهنا كان الإنترنت تلك الوسيلة السحرية التي تلقفها ذلك الجيل المتعطش، المتعطش للسؤال وللتواصل مع النفس والآخر أين ما كان، الوسيلة التي سمحت له أن يعبر عن نفسه، عن ملله وحنقه وضيقه بكل تلك القوالب التي أجبر على الانحشار فيها لسنوات، وجاءته الفرصة أخيراً ليكسرها ويتمرد عليها. لقد أصبح التعاطي مع الإنترنت أشبه بدفقة من الأوكسجين أعطيت لغريق موشك على الهلاك فأيقظت أطرافه اليابسة وبثت الحراره في وجناته الباردة. لكن الأمر لم يكن مثالياً أبداً، و كما وجد السعوديون الحرية التي فقدوها في العالم الافتراضي فقد نقلوا إليه أيضاً أمراضهم ومعاركهم وعادوا ليتشكلوا فيه شيعاً وأحزاباً من جديد..ولكن تلك قصة أخرى!